على الرغم من مرور أربع سنوات على قيام الثورة السورية عام 2011، إلا أن أمل الانتصار في نهاية المطاف لا يفارق المعارض السوري البارز عضو اتحاد كتاب العرب محمد جمال طحان، الذي قال لـ"الوطن" إنه وبقية زملائه المثقفين يستحضرون، وهم يتأملون مرور العام تلو العام، الثورة الفرنسية التي استمرت لمدة عشرة أعوام، ثم انتصرت.
وفيما أكد المعارض السوري أن الثورة السورية ليست "ثورة شباب طائش مندفع بل ثورة أمة، وتحتاج وقتا لتحقيق تطلعاتها"، وصف مقابل ذلك الشباب الذين ينخرطون في صفوف تنظيم داعش الإرهابي بـ"السذج"، مبررا هذه النتيجة بأن هؤلاء يتوهمون أن قتل المسلمين من أجل الخلافة الإسلامية هو جهاد في سبيل الله.
أكد عضو اتحاد كتاب العرب المعارض السوري محمد جمال طحان لـ"الوطن" أن مثقفي سورية كانوا أول من مهد لبدء الثورة السورية عام 2011 من خلال كتاباتهم ومقالاتهم في الصحف، مبديا تفاؤله بانتصار الثورة، مشيرا إلى أن جميع المثقفين السوريين المعارضين يستحضرون الثورة الفرنسية التي استمرت عشرة أعوام ثم انتصرت، موضحا أن هذه الثورة ليست ثورة شباب طائش مندفع، بل ثورة أمة، وهي تحتاج وقتا لتحقق التطلعات.
ووصف طحان الشباب الذين انضموا إلى داعش بـ"السذج"، لأنهم يتوهّمون أن الانضمام إلى تنظيم إرهابي يقتل المسلمين من أجل خلافة إسلامية، هو جهاد في سبيل الله.
تدخل خارجي
تتم ثورة سورية أربعة أعوام على انطلاقتها.. لماذا لم تنتصر حتى الآن.. وكيف صمد الأسد إلى اليوم؟
الثورة السورية ثورة أمة، وليست ثورة بلد أو منطقة، ولهذا لا يستغرب أن تأخذ وقتا كي تحقق تطلعات الأمة.. من قال إن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن انتصرت وحققت آمال الشعوب في تلك الدول؟ أرى سؤالك استفزازيا يثير الشجون، فجماهير تلك البلدان أزاحت رأس الأفعى، ولم تتمكن من قص ذيلها، وصمود عصابة الأسد يأتي لأنه يتلقى دعما قويا من حكومات وهيئات دولية مختلفة، ولا يقتصر ذلك على المحور "الروسي، الإيراني، الصيني" فالدول تصفّي خلافاتها، وتقوم بالتسويات على حساب الدم السوري.
نظام بشار الأسد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه غير عابئ بمفردات الإنسان والوطن والمواطن والحريّة والحضارة، وهو مستمر في طغيانه حتى يتمكن من بسط سلطته الكاملة على أكبر بقعة ممكنة من الأرض السورية، وحتى يضمن الولاء الكامل من كل من تطاله يده.
كذلك الائتلاف والحكومة الموقتة والمعارضين أثبتوا فشلهم وأسهموا في صمود الأسد باختلافاتهم، فهم يسيرون كما يريد لهم الداعمون، كذلك فصائل الجيش الحر متفرقة متشرذمة، وليست لديها القدرة على حسم المعركة لمصلحة الثورة، لتأتي "داعش" وجبهة النصرة لتكمل العبث والفساد في سورية ليستمر الصراع وتستمر المأساة.
تركيبة داعش
بما أنك ذكرت "داعش" وجبهة النصرة.. كيف تكونت تلك المجموعات المتشددة؟ ولماذا ظهرت في هذا الوقت؟
سؤال جميل، تركيبة داعش معقدة فهي مكونة من خليط يتبع بعضه القاعدة، وبعضه من المتشددين الذين كانوا معتقلين في سجون الأسد ومع بدء الثورة السورية، وأفرج عنهم النظام في وقت معين ليشكلوا "بعبعا" للمجتمع السوري والعالم، ودسّت بينهم عناصر مخابرات سورية وإيرانية لتزكي نار التشدد والقتل بقسوة، ولا يخفى أن الدول الغربية وأميركا استعانت بأمثالهم ليتسنى لها البقاء ضالعة في شؤون العالم.
تفاؤل الثوار
الدم السوري لا يزال ينزف منذ أربعة أعوام؟ هل لا تزالون متفائلين بانتصار ثورتكم؟
نعم نحن متفائلون بانتصار الثورة بالرغم من كل الخراب والقتل والدمار الذي طال أرض سورية وحضارتها، إلا أننا متفائلون بأن أحدا ما قد يعيننا للوصول إلى انتصار الثورة بعد الدمار الذي طال أرض سورية.
فنحن كمثقفين سوريين نستحضر الثورة الفرنسية التي امتدت عشر سنوات من القتل والدمار، وها هي الثورة السورية في سنتها الخامسة يمتد تأثيرها للمنطقة بأسرها.
في الثورة الفرنسية انتشرت الفوضى والسلب والنهب، وحشدت الجيوش من أطراف المناطق إلى باريس، واستقدم المرتزقة الأجانب، كذلك في سورية أيضا كانت الخطوات ذاتها من استقدام مرتزقة وارتكاب جرائم وارتفاع الأسعار، وانتشرت عمليات السرقة والخطف، وارتكبت مجازر جماعية بالذبح والحرق والموت تحت التعذيب، واكتظت السجون، وتم تهجير الملايين، وأمسى نصف السوريين لاجئين. ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ انتصرت الثورة الفرنسية، وحققت تطلعات الشعب وكذلك نحن في سورية سننتصر.
دور المثقفين
هل صحيح ما يشاع بأن الثورة السورية قامت على أكتاف الشباب ولم يكن للمثقفين دور فيها؟
هذه مقولة شائعة، لكنها غير صحيحة، ومن روج لها هو نظام الأسد ليثبت للعالم أن ما يجري في سورية تحركه مجرد فئة مندسّة من الشباب الطائش تحول إلى عصابات إرهابية وأن المثقّفين بمنأى عنه وهم منه براء.
والصحيح أن من بدأ بالتمهيد لقيام الثورة السورية هم المثقفون، وذلك عبر كتاباتهم وتصريحاتهم المختلفة، ممهدين لبدء حالة الغضب.
وعند بدء الثورة شارك مثقفون كثيرون منذ بداياتها، وسجن كثير منهم، في حين برز مثقفون في قيادة التشكيلات المعارضة التي ظهرت، وهذا يعني أن الثورة ليست ثورة شباب منهكين برزوا من الحواري القديمة.
بالمقابل، ظهر عدد غير قليل من الكتّاب المخضرمين تتراوح مواقفهم بين التحفظ والارتباك والتأييد الفاتر، وربما يعود ذلك إلى تجربة الثمانينات المرّة، إذ ذاقوا مرارة الوقوف في وجه الظلم وحين التفتوا لم يجدوا حاضنا شعبيا لهم، فتجرعوا آلام الاعتقال والتهجير، وتعود كثير منهم على العقلنة التبريرية، والعيش في عالم من الكلمات، في حين كانت الثورة مناسبة لظهور معارضة جديدة متميزة عن المعارضة التقليدية بكونها شبابية أو تعتمد على مخضرمين يتمتعون بروح الشباب، وهي معارضة لا حزبية، وأقرب للحياة وميادينها، وأقل تمركزا حول الأيديولوجية وحول الأحزاب التقليدية والسياسيين القدماء، باستثناء من تجددت لديهم روح العمل السياسي وفق المستجدات.
مفهوم الثورة
الموقع الذي لم يبرز من جهة المثقفين التقليديين هو المشاركة في الثورة من موقع الثقافة، أي العمل على تغطيتها ثقافيا، ما جوابك عن هذه الرؤية؟
المثقف الجديد والمتجدد انخرط في الثـورة من غير أن يرى ذلك نشاطا سياسيا حزبيا أو عقائديا، هناك مثقفون سوريون اختاروا الوقوف في صف الثورة منذ البداية، ومنهم برهان غليون وطيب تيزيني وعلي فرزات وصبحي حديدي (على سبيل المثال)، وآخرون شككوا في مشروعيتها وهويتها، ومنهم أدونيس، بحجة أنه يخشى "وصول الإسلاميين إلى السلطة". وموقف أدونيس غير مفاجئ، لأنه لم يكن معارضا يوما ما للنظام السوري المستبد، بل كان يقف دائما ضد التراث العربي الإسلامي.
شارك هؤلاء في المؤتمرات والندوات واللقاءات منذ انطلاق الثورة السورية، وفي كل اللقاءات أكد المثقفون خطورة الوضع السوري، وحتمية تأييد الثورة الشعبية التي أسقطت حاجز الخـوف ضـد نظام إجرامي وفاسد، ولا يمكن لدور المثقفين أن يتجاوز مستوى تعبئة الرأي العام والدعوة إلى دعم الشعب السوري في ثورته التي تهدف إلى التخلص من النظام الديكتاتوري.
بعض المثقفين وفق المعيار التقليدي يرفضون تسمية ما يحدث في البلدان العربية وفي سورية بالثورة، تشبثا بمفهوم الثورة التقليدي الحامل لأيديولوجية بقيادة زعامات ثورية، ويقلقهم الحضور الإسلامي القوي في المعارضة، منذ انتصار الثوار في تونس ومصر وليبيا.