في مجتمعنا يولد الشخص ويقضي فترة ما قبل المدرسة مليئا بالنشاط والإبداع والمرح، وبمجرد دخول المدرسة يخف وهج تلك الأضواء!

يبدأ بالمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة فالثانوية وقد يتجه للجامعة، قرابة 17 سنة من الدراسة، ثم يتخرج وقد مرت بسطح عقله معلومات قد لا يستفيد من معظمها بقية حياته، بل حتى قد يعمل في مجال غير تخصصه!

وبمجرد أن ينهي الدراسة ويبدأ حياة العمل وتحمل المسؤولية يجد ذاته مع الوقت يمر بمنعطفات وأزمات خانقة ومشكلات قاسية والسبب عدم وجود تهيئة ذهنية ومهارية منهجية وحقيقية طوال تلك السنوات!

ومن أهم تلك المنعطفات:

العمل: مهما كانت مدة سنوات الدراسة والتدريب إلا أن للعمل مهارات وأنماطا من الوعي لا بد من معرفتها منذ الصغر، ولهذا للأسف نجد كثيرا من الموظفين مهما اختلفت مراتبهم ومجالاتهم قد قضوا سنوات طويلة في الدراسة في تخصصات مختلفة ثم يتخرجون وهم لا يفقهون شيئا في مهارة التعامل مع المراجعين ولا في آلية حل المشاكل إضافة إلى جهلهم المريع في مساحات واسعة مما يتوجب على أي موظف إتقانه وتطويره.

  المال: سنوات طويلة من الدراسة والتعب ثم يدخل الشخص عالما مختلفا تماما، خصوصا في التعامل مع المال، يتوظف ويصبح لديه مرتب مالي، ولكن بعد سنوات يكتشف أنه لا يحسن التعامل معه!

لم يتعلم ولم يتدرب من صغره على أي مهارة تمكنه من التعامل المالي الصحيح من حيث الاستهلاك والادخار والاستثمار وغيرها، بل قد يقوده تخبطه إلى الغرق في الديون! فإذا لم يتعلم الشخص ذلك في المدرسة أو الجامعة متى سيتعلم؟

الزواج: غالبا بعد أشهر قليلة من الوظيفة يتزوج الشخص، ويسعى لتأسيس أسرة، ثم يُفاجأ بأنه منغمس في مشاكل ومتاهات لا يعرف كيف يخرج منها ولا كيف دخلها في ما يتعلق بالحياة الزوجية وتربية الأبناء! لم يفده بالطبع حجم صادرات الدولة الفلانية ولا تفاصيل العمليات الحسابية المعقدة ولا تلك أو تلك من تفاصيل باهتة مضيعة للوقت والجهد.

بناء الحياة: لم يتعلم كيف يدير وقته أو كيف يخطط أو يلبس أو يتعامل مع الآخرين أو يحل مشكلاته أو حتى كيف يستمتع بالحياة.

 هنالك ما يسمى بالأنشطة الطلابية في المدارس والجامعات ولبعضها جهد طيب في ذلك، ولكن للأسف لا يرقى للمستوى المطلوب ولدى كثيرين حولها تحفظ كبير وأغلبها لا تملك وسائل فعلية لتنمية الطالب وتجهيزه للسباحة في بحر الحياة.

ويبدو أنه توجد حاليا –كما علمت- مادة تدور حول مهارات الحياة ولكنها ليست باعتقادي بالمستوى المطلوب والمأمول.

البعض قد يحظى بالطبع بتربية راقية من والديه ويتلقى منهم مهارات النجاح والأداء المتوازن، ولكن كل ذلك لا يكفي أبدا.

ينبغي النظر بعمق في المناهج الحالية في كل المراحل والتخصصات ومدى ملاءمتها لما يحتاجها الإنسان فعلا في حياته.

لا بد من وجود مناهج مكثفة في كل مرحلة تشمل كل المهارات التي تمكن الشخص من النجاح في حياته بكافة جوانبها الإيمانية والصحية والمالية والأسرية والعملية والتطويرية والإبداعية، بحيث يتم تعليمها منذ المراحل الأولى وحتى الجامعة بتدرج منهجي متقن.

أرى ضرورة وجود مادة متكاملة تحوي جميع ما سبق وتُعطى بشكل مكثف طوال الأسبوع الدراسي ويتم فتح تخصصات في الجامعات لتخريج متخصصين في ذلك ويتم تشجيع الباحثين والمتخصصين على التأليف العميق المدروس في هذه المجالات.

 نريد أن نرى مناهج لها علاقة مباشرة بحياة الإنسان ويومه بدل أن نرهق الطالب بحفظ التوافه ثم رميها بعد الامتحان.