خلال عمري الماضي والمديد إن شاء الله لم أشعر كما هذه المرة بحاجتنا إلى إعادة الهيبة وردع الذين عدّوا حلمنا ضعفا أو خوفا. ومع ما يتطلبه الردع من مستلزمات الحرب ومع ما تجره الحرب عادة من خسائر ومخاطر، لكن الحاجة النفسية إلى مثل ذلك كانت قائمة حتى جاءت عاصفة الحزم وفق توقيت مدروس ومناسب جدا على نحو جعلها تحظى بإجماع وحماسة وطنية غير مسبوقة.

لم يكن المواطن السعودي الوادع والآمن الذي يتمتع بقدر وفير من الرخاء والأخذ بأسباب الحضارة المدنية بحاجة إلى التخاطر بهذه المكاسب من خلال أبغض الخيارات، وهو اللجوء إلى الحرب لكنها الضرورة التي اقتضاها الظرف الزمني والمكاني من خلال التحشيد الحوثي الذي استمر خلال الأشهر الماضية، مدعوما من بعض القوى الإقليمية التي طوقها غرور خادع حين حسبت أن هذا الفحش الاستعدائي سيُترَكْ هكذا، وحين ظنت تلك القوة الهمجية أنها من خلال زرعها لهذه الميليشيات الحوثية قادرة على المضي قدما في نزعاتها التوسعية وأحلامها الطوباوية في تصدير الثورة، ولكن خانتها كما يقولون حسابات البيدر، وهي تتعامى عن هذا الحليم الذي يرقب بحذر كل التحركات ويرصد كل التوجهات التي تستهدف الإحاطة به من خلال باب المندب، ومن هنا، أحسنت المملكة توقيت المفاجأة وهي تطلق عاصفة الحزم، وتكسر شوكة التمرد الحوثي على القيادة الشرعية في اليمن.

لقد كان اليوم التالي لإطلاق عاصفة الحزم يوما مشهودا لدى السعوديين الذين ارتفعت قاماتهم واشرأبت أعناقهم وطاولت السماء. كيف لا؟ وهم يلمسون حسن التفكير وبراعة التدبير لهذه العاصفة التي هبت على حين غرة لتفاجئ العالم، كل العالم بقدراتها الساحقة وأهدافها السامية.

وكأن العلم كان ينتظر هذه البادرة حين توالت عبارات التأييد والتمجيد من كل حدب وصوب.

يبدو أننا نعيش في المرحلة الأخيرة للقوى الكبرى التي هيمنت خلال العقود الماضية على العالم، وأضعفت سيادة الدول على مقدراتها وعلى قراراتها، ويتضح ذلك جليا من خلال تهتك الاتحاد السوفيتي، وما تلاه من تخبط روسي يسعى إلى استعادة بعض الهيبة وبعض حبات العقد المنفرط من حلف وارسو.

والحال كذلك مع الولايات المتحدة الأميركية التي فشلت في كثير من غزواتها في بعض بقاع العالم، وما جره عليها ذلك من ضعف ورفض شعبي داخلي، وهذا ما جعل أوباما يسعى إلى تصحيح بعض أخطاء سلفه بوش الابن، ما أوقعه في حالة من التردد الذي شجع كثيرا من القوى الإقليمية التي أطلقت يدها تعبث في الجوار وما أفرزته هذه الفوضى من ثورات الربيع العربي.

ولهذا جاءت الحاجة إلى من يعيد للعالم العربي هيبته ويوحد قراره في مواجهة التشتت والولاءات التي صارت تباع وتشترى في سوق النخاسة بفضل الميليشيات المزروعة في لبنان والعراق واليمن.

ولهذا، فإن عاصفة الحزم هي البشارة التي أطلقها الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإحياء الحس القومي وتعزيز التضامن الإسلامي في مواجهة قوى الشر والتآمر الصفوي، وهي ماضية لإحداث التوازن المطلوب وإعادة المزاج العربي إلى نصابه، حين ضاع خلال السنوات التي مضت متوزع الولاءات وفاقدا للثقة بمحيطه القومي، على نحو جعل الكثير من طلائع الشباب في خضم بحثها عن الرموز تضيع بوصلة ولائها، وتسندها إلى زعامات ورقية في القاعدة و"داعش" وحزب الله.

ها هي عاصفة الحزم تحزم أمر العرب وتعيدهم إلى أصولهم ومفاخرهم الحقيقية لا المزيفة.