كثرت التحليلات بعد "عاصفة الحزم"، وظهرت بعض الدول تؤيد بصراحة وبعضها على استحياء، وكل حسب مصالحه وحساباته، ولكن اللافت للنظر هو تصريح الرئيس إردوغان الذي عبر عن موقف تركيا من الصراعات التي تعصف بالمنطقة، ليس من الآن ولكن منذ بداية الثورة الإيرانية. فقد اتهم إيران بخلخلة الأمن في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لها، وأن هذا مزعج لبلاده ولدول المنطقة، وهو يقول ما لا يقال جهرا، ولكنه حديث كل مجلس واجتماع.

فقد كان الجميع ينتظر بحذر عاصفة دولية غير "عاصفة الحزم" لتضرب إيران، نتيجة نزاعاتها مع الغرب، خاصة مع أميركا وإسرائيل التي يشك العرب فيها كثيرا، كما أن العرب في معظم الدوائر والوسائل الإعلامية يتحدثون عن مخطط غربي لتشجيع إيران لتكون الشرطي في المنطقة، ولهذا فهم يشترون الوقت لصالح إيران من خلال المفاوضات على النووي الذي يستخدم لإعطائها مبررا لتتمكن من تهديد الجيران وتفرض سياسة الأمر الواقع، وبالتالي استلام الدور المطلوب منها في خلط الأوراق في المنطقة، وهذا سيقلل الكلفة على "الشيطان الأكبر وإسرائيل"، ومن هذا المنطلق يسمحون لها بمد يدها هنا وهناك، لقياس مدى تأثيرها وأهميتها في ضبط المواقع التي تقع تحت سيطرتها.

كما يرى الكثير من العرب وإن اختلفت إيران مع إسرائيل والغرب بقيادة أميركا في الظاهر، ولكنها تلتقي معهم في الباطن وتفاوضهم على ما ستقوم به من دور في المستقبل بعد أن تصبح مكلفة بدور الشرطي في المنطقة.

ليس هذا فحسب، بل ذهب بعض المحللين في الصحف والتلفزيونات إلى أن الثورة الإيرانية لم توفق منذ بدايتها، لا في الداخل ولا في الخارج، إذ إنها تعاني في الداخل بسبب عدم رضى نسبة كبيرة من الشعب الإيراني عن الثورة التي همشت شرائح مختلفة منهم، خاصة من لا يتفق معها في العقيدة ولا في العرق، لأنهم يرون أن قيادات الثورة الإيرانية الذين يسعون في مشروعهم الدولي إلى قيادة العالم الإسلامي كإمبراطورية، لا يهتمون بتلك الشرائح من مواطنيهم، بل يرونهم مصدر تهديد للثورة في الداخل، وهذا يضعف دور الثورة من بلوغ رغبتها لتصبح مثل العثمانيين الذي نجحوا في ذلك قبل ستمئة سنة وتمكنوا في معارك عدة من إقصاء الإيرانيين إبان الدولة الصفوية، التي تبنت المذهب الشيعي وفرضته بالقوة لمواجهة المذهب السني الذي تتبناه الدولة العثمانية.

ولم يزل الصراع قائما بين هاتين الدولتين اللتين تتنازعان من أجل السيطرة على المنطقة ولعب الدور الرئيس فيها.

الفرق بين الثورة الإيرانية والثورة التركية هي ولادة تركيا العلمانية في بداية القرن الماضي، وظهور الثورة الإيرانية الدينية المذهبية بعد إسقاط الملكية في الربع الأخير من القرن الماضي.

وفي نفس الوقت الذي كانت فيه تركيا تعاني من العلمانية التي قست على الشعب التركي بقيادة العسكر، تمكنت منذ عقود عدة من عودة الأحزاب الدينية التي كانت محرمة في تركيا.

هذه الأحزاب جاءت بوجه متحضر جديد له أسس دينية وتركز أيضا على بناء تركيا العصرية الاقتصادية والصناعية والتجارية والعلمية والعسكرية والسياحية وغيرها، في الوقت الذي ركزت فيه الثورة الإيرانية على نشر الثورة الدينية الشيعية وتصديرها إلى الخارج والتصادم مع دول المنطقة السنية حتى وقعت حروب دامت سنوات كثيرة أضعفت العرب والإيرانيين، واستنزفت ثرواتهم وأخرت شعوبهم، ولم تتغير هذه السياسات بل إنها تطورت بعد الربيع العربي الذي صفقت له إيران بغية استغلاله لاستكمال مشروعها وتوسعها على حساب الدول العربية.

العرب دائما ينتظرون ثم يثورون ثورات مضادة للدفاع عن مجتمعاتهم وأوطانهم. لقد شجعت إيران الثورات في بعض الدول ووقفت ضدها في البعض الآخر، في الوقت الذي تعاني في الداخل من تحديات اقتصادية وسياسية ودينية وعرقية تتنامى مع الوقت لتتسبب في انهيار الثورة مرة أخرى والرجوع إلى المربع الأول لعدم تلاقي المشروع الإيراني مع احتياجات المجتمع والتنمية التي ترغب فيها الشعوب، فماذا قدمت الثورة الإيرانية المستمرة منذ أربعين عاما سوى الحروب ونشر الكراهية بين السنة والشيعة؟ وهذا سبب عدم الرضى من شرائح مختلفة من مواطنيها الذين ما إن يعود موسم الانتخابات حتى تعود التحديات بشكل واضح بين فئات الشعب الإيراني، ولهذا فأكثر من حلل الوضع في المنطقة يرى أن إيران تخسر حتى لو كان لديها النووي، لأنها خسرت شعوب ودول المنطقة لتأجيجها الصراع المذهبي والطائفي، وإضعاف المنطقة وإدخالها في صراع مستمر دون مبرر، بل يرون أنها تخدم المشاريع الخارجية وتضرب مصالح المنطقة في عمقها. وكان بإمكانها أن تكون قوة إقليمية حقيقية لو أنها اتبعت سياسة الاستقطاب والصناعة والتنمية والاقتصاد والتقارب مع دول الجوار، ولكانت هي على رأس حلف كبير يحقق مصالحها الداخلية والخارجية ويعزز من دورها في إثراء المنطقة، وتثبيت الأمن والاستقرار، وأكثر من هذا تحقيق شعارها بإقصاء من تسميهم "بالشيطان الأكبر وإسرائيل" من المنطقة، وذلك بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية ومجتمعاتها، واستثمار مواردها في بناء حضارة يمكن أن تغير موازين القوى لصالح المنطقة.

ولكن إيران الآن تغرق نفسها في ملفات كثيرة وتخطئ في حقوق مجتمعات ودول أخرى، لن تتركها تلك الدول والمجتمعات تنال منها حتى وإن وجدت لنفسها منفذا هنا أو هناك، ولكن مع الوقت سترتد سياساتها عليها، ليس باعتداء من العرب والأتراك، بقدر ما يكون تضامنا تركيا وعربيا لرد تعديات إيران وكبح طموحها وتدخلاتها. والحل أن تراجع إيران سياساتها الداخلية والخارجية قبل أن تنهار.