بدأ الإشراف التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا في تطبيق تجربة مؤشرات الأداء الإشرافي من عامين تقريبا. ولا يزال العمل بها جاريا. إذ صاغ الأساليب الإشرافية بطريقة المؤشرات، وافترض حدا أدنى لتطبيق كل أسلوب إشرافي، وطلب لها تقارير وشواهد ورقية، تدرج نتائجها في نظام يشبه شاشة الأسهم بألوانها الأخضر والأحمر يرتب فيه مكاتب التعليم بناء على تلك التقارير ويتغير الترتيب في فترات متقاربة.
فما أثرها في تطوير وتحسين التعلم والارتقاء بالمدارس والتعليم عموما؟
نقف معها هنا بعض الوقفات من باب النقد البناء والوصول إلى الأفضل.
أولا: ما المؤشر؟ هو مصطلح جديد في التخطيط وله اختصار KPI، والمقصود به الهدف في حده الأدنى... ذلك أن المنظمات في مرحلة التخطيط كانت تحدد الأهداف في مستواها الأعلى. فتختلف النتائج وبالتالي يختلف المقومون للإنجاز. فلو كان واقع مصنع ما إنتاج 100 قطعة شهريا، وجعل هدفه إنتاج 500 قطعة، فأنتج 400 في الواقع فهل نجح؟ سنختلف في التقويم، ولمعالجة الوضع ابتكروا المؤشر، وهو صياغة الهدف بالطريقة التالية: ألا يقل إنتاج المصنع عن 300 قطعة مثلا، وتحديد المؤشر بالطريقة الصحيحة مفيد جدا يؤدي إلى النجاح والتفوق، ويعطي الموظفين مرونة في الأساليب والأدوات، لكن لو كان هناك خطأ في تحديده فهو ينذر بفشل المنظمة.
لنفترض في المثال السابق أن المؤشر ارتبط بالوسائل لا بالأهداف. لنفترض أن المؤشر هو التالي: أن يزور مدير المصنع كل عامل ما لا يقل عن ثلاث زيارات كل شهر أثناء أداء عمله، ماذا سيحدث؟ سيزور مدير المصنع كل عامل عشر زيارات ويعد نفسه ناجحا، لكن ماذا سيحدث؟ سينخفض إنتاج المصنع ولن يشعر أحد بالذنب، لأن المؤشر عال. ما المشكلة إذن؟
المشكلة في صياغة المؤشر، فقد ارتبطت بالوسيلة لا بالهدف.
ثانيا: ما أهداف الإشراف التربوي، وهل يمكن صياغتها في مؤشرات؟ لا شك أن الطالب هو المخرج النهائي لكل جهد تعليمي وتربوي، لكن لأنه منتج مشترك بين أطراف كثيرة في الإدارة التعليمية، فما الإشراف التربوي إلا واحد منها نركز على ما يخصنا أهدافنا ومنتجنا في الإشراف التربوي: مدير ووكيل مدرسة يؤديان عملهما بالشكل الصحيح. معلم يخطط بطريقة علمية صحيحة. معلم يطبق استراتيجيات التعلم النشط. معلم يوظف التقنية ومصادر التعلم في عمله. معلم يوظف كتاب النشاط في تدريسه ويجعله محققا لأهدافه. معلم يتعامل مع طلابه بشكل صحيح. معلم يقوم طلابه بطريقة صحيحة. منهج دراسي يحقق أهدافه....إلخ أما طريقتنا في تحقيق ذلك فهي أساليب الإشراف المعروفة الزيارات الصفية، اللقاءات التربوية، النشرات، التدريب، ويمكن تطوير الأساليب والمهارات.
ثالثا: هل نظام المؤشرات المعمول به حاليا يهتم بالمخرجات؟ للأسف لقد ركز على الأساليب، ولم يشر إلى الأهداف إلا بشكل ثانوي، حتى في نسخته المطورة النوعي ركز على نوعية الأسلوب.
رابعا: ما المشكلة في ذلك؟
المشكلة "1" سنشتغل بالأساليب عن الأهداف وبالتالي سيضعف المنتج، فلو زرت المعلم عشرين زيارة صفية سيرتفع المؤشر، ويوهمني بأن عملي ناجح، لكن كثرة الزيارات الصفية في الحقيقة تضعف أداء المعلم، ولا تؤدي إلى تطويره والواقع الطويل للإشراف أكبر دليل.
"2" سيحد من إبداع المشرف ويقيده، فلو كان المؤشر مرتبطا بالهدف، والطريقة متروكة للمشرف يقدرها بما يراه مناسبا للموقف، هنا سيظهر الإبداع وينطلق المشرف ويصرف كل وقته وجهده في تحقيق الهدف بكل أسلوب مناسب، فيزيد إنتاجه وعمله.
خامسا: ما الواقع في مدارسنا؟ كم عدد مديري المدارس الذين يخططون لعملهم بشكل جيد، ويهتمون بالجانبين الإداري والفني؟ كم عدد المعلمين الذين يخططون لدروسهم بشكل صحيح؟ وكم عدد الذين يدخلون إلى دروسهم غير مستعدين ويسألون أين وصلنا؟ وكم عدد المعلمين الذين يطبقون استراتيجيات التعلم النشط؟ وكم عدد المعلين الذين يوظفون كتاب النشاط؟ كم عدد المعلمين الذين يوظفون مصادر التعلم؟ وما حال تعامل المعلمين مع طلابهم؟ وما وضع التقويم المستمر؟
ولكم أن تسألوا مديري المدارس المتوسطة عن نتائج التقويم المستمر، وما حال خريجي المرحلة الابتدائية في المهارات الأساسية؟
أما الاختبارات فحدث عن حالها ولا حرج، وهل أجدت مئات الزيارات الصفية؟ وآلاف التوصيات وكم غيرت من الواقع؟
سادسا: ما الحل؟ لنتجه إلى القضايا الجوهرية في عملنا. نتحاور في كيفية معالجتها. نحدد مؤشرات مرتبطة بها. صياغة جديدة للمؤشرات يشترك فيها أكبر عدد من المشرفين والمعلمين والخبراء. وبعد الاتفاق عليها تدرج في النظام التعليمي نور، فيدرج المشرف خطة وتقارير عمله في البرنامج بشكل يومي. ومن النظام نستخلص أي تقارير مطلوبة، ولا تفرد بملفات ورقية مستقلة تهدر الوقت الثمين وتصبح هدفا في حد ذاتها.
ليكن المؤشر مثلا: أن يطبق عشرون في المئة من المعلمين المسندين إلى المشرف التربوي استراتيجيات التعلم النشط مثلا، وحتى يتم ذلك لنوقف تلك التجربة، فقد أشغلت الإشراف عن جوهر عمله وجعلت الإدارات والمكاتب تتنافس في نشر إعلانات متناقضة عن فوزها بمراكز متقدمة ما هي إلا فقاعات لا تعكس حقيقة التعليم.