لم يكن الطموح إلى الوحدة الشعبية والوطنية في المنطقة العربية بمعزل عن النزعات الطائفية وحركات الانشقاق والتفرقة التي تغلغلت في مفاصل البناء الاجتماعي، فأصبح كل حدث عارض في المجتمعات العربية يبرز وجهها السيئ بين الأفراد والجماعات على مسرح الأحداث، خاصة إذا أُقحم النزاع المذهبي عمدا في التوجهات السياسية، أو تشكل في أوجه منطلقاته، كورقة رابحة تطرح في كل مرة على طاولة التصارع السياسي.

نشهد -ومع كل اختلاف- بروز الوجه الأكثر سوءا، استحضار قالب التصنيف المعد مسبقا تبعا للمعتقد أو الفكر أو تعاكس المصالح، وحين يفتقر المجتمع العربي إلى أدبيات الحوار، سنجد أن المواقف تزج عنوة في نفايات الطائفية والنزاعات والفوضى والقتل على المشهد الاجتماعي، وهذا الانقسام يحدث رغم تفاوت المطالب والاحتياجات ومدى عمقها الجماهيري، ولو أن كل فرد عربي لديه جيش أو ميليشيا يدفعه ضد الآخر مع كل اختلاف، لأصبح الاقتتال سنّة عربية.

لن تستطيع الشعوب العربية تحديد أهدافها إذا كانت قيادة الرأي العام تستثير العاطفة وتغذي الاختلاف وتحرك نزعة المرجعية الجماعية بأسلوب التفرقة ضد مصالح المجتمع الواحد، وضد احتواء الوحدة الوطنية لجملة من البشر رغم تعددهم واختلافهم، فإن كانت كل طائفة تشكل تكوينا للمجتمع، فمن الضرورة أن تنتمي إليه بأمر مشترك مهم يحقق لها ولغيرها الضروريات والحقوق والحاجات نفسها، وبهذا فالتعدد مفروغ منه ووجوده مطلب، ويجب أن يكون لأجل ذلك مقبولا.

إن بناء الهوية هو السبيل نحو ولاء الشعوب لأوطانهم، حتى ولو لم تتفق الأفكار والمعتقدات، فإن الضروري هو الاتفاق على جملة من الأخلاق الإنسانية التي تفرض على الجميع التعايش وفق مفهوم المواطنة والوطن، الذي هو حق للجميع وحمايته وتوحيده هما الهدف، فحماية الوطن من زعزعة الوحدة التي تأتي من تحويل الاختلاف إلى خلاف، تمكننا من التصدي للثغرات التي يستغلها المغرضون، وستمكننا من الاتفاق على أساليب العيش المتاحة والممكنة مع تقديرات الاختلافات والاعتراف بها، فإذا تقبلنا الآخرين واحترمنا حقهم في المشاركة، فإن هذا سيسهم بشكل إيجابي في خلق مجتمع حضاري تفاعلي متكاتف ومتعدد الأطياف، يحتضن أبناءه على قدر كبير من الوعي والحب والوئام.