لعلّ أقسى ما أذكره عن مرحلة المراهقة بما تحفل به من تغيرات وتقلبات هو عذابات الشك وآلامه، فليس هناك أغلى على الإنسان من معتقده الديني، وليس هناك أصعب من الدخول في دوامات الأسئلة الشائكة التي تطرق عقل المراهق رغما عنه -دون قدرة على التحكم في مساراتها، ولا على البوح بتلك الأسئلة لمن يمكن أن يشفي غليله دون إساءة فهمه أو رفع أصابع الاتهام في وجهه! وقد كنت محظوظة أن قيض الله لي والدا متفهما واعيا أدرك مدى آلامي وعذابي؛ فراح يشجعني على إخراج أسئلتي للنور ثم مناقشتها بالمنطق والحجة، وتهدئة نفسي المضطربة بالتأكيد على أن ما أمر به مرحلة حتمية في طريق الصيرورة للنضج والدخول لعالم الكبار، راويا الكثير من القصص سواء من القرآن الكريم أو من التراث أو من خبراته الحياتية. ولعل بعض حواراتنا لا تزال مطبوعة في ذاكرتي فقد حدثني عن تساؤلات نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقصة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام مع الخضر، وقصة إسلام عم الرسول الكريم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وما راوده بعدها من تساؤلات وشكوك، وصولا إلى تساؤلات الصحابة أنفسهم وخشيتهم من حديث النفس وهاجسها، ليطمئنهم القرآن الكريم ويهدئ نفوسهم. فقد كان أكثر ما يعذبني هو خوفي من تلك الأسئلة ومن عدم قدرتي على كبح جماحها، وشعوري بالدونية ومحاكمتي الدائمة لذاتي كنتيجة. والخوف والتخويف يؤدي بالضرورة للوسواس القهري الذي يتمكن من المراهق الذي يميل عادة لتضخيم الأمور وتهويلها؛ وذهنية التشكك في التفاصيل الصغيرة للعبادات - التي فرضتها وما زالت تفرضها مناهجنا الدينية - تقود بالضرورة إلى نوع مختلف ومضاد من التطرف الفكري، ليغوص العقل الصغير في تفاصيل الشك والذي لا بد أن ينوء بثقله وتبعاته. وإذا كان الشك الديني وتعريض المسلمات لغربال الأسئلة والتمحيص هما من أطوار مرحلة المراهقة، فإن مناهجنا الدينية لا تغفل فقط ذلك الطور بل تذكي من أوار الشكوك، وتساهم في ظهورها قبل الأوان الذي تظهر فيه عادة، كونها لا تخاطب الطالب بلغته ولا تراعي مرحلته العمرية ولا سماتها النفسية والذهنية. فضلا عن جنوحها للماضوية وابتعادها عن مفردات العصر، وإيغالها في الغيبيات وما تثيره من إشكالات عميقة في العقل النامي؛ وأثر تلك الإشكالات على صحة المراهق النفسية وتشكيل العقد والوساوس التي قد تطبع بصمتها عليه طوال عمره .

لذا جاء نقدي لمنهج الفقه في الصف الأول المتوسط منطلقا من عدم مواءمة تفاصيل المنهج لمرحلة الطالب العمرية، وسوء الاختيار لبعض الأحاديث الشريفة وسقم الاستدلال الذي لا يفيد الطالب بقدر ما يضيف إليه أعباء ذهنية ونفسية هو في غنى عنها! فيما يجب التركيز على فقه المعاملات وآدابها ومكارم الأخلاق، وتدريس العبادات انطلاقا من أهدافها الجوهرية التي شرعت لأجلها دخولا إلى كيفيتها، مع تجنب الإيغال في المعلومات "المتخصصة" والتفاصيل الدقيقة سواء في مادة الفقه أو التوحيد تجنبا لتكوين عقلية متشككة تحكمها المخاوف والهواجس. فما نريده ونطلبه أولا من عملية التعليم هو الإسهام في تكوين فرد سوي نفسيا يساهم في نهضة أمته وتنمية مجتمعه.