لعل الصفة الأبرز لدى بعض الإعلام العربي من أهل شمال أفريقيا وشمال الجزيرة العربية، عدم الثبات على القول والرأي، فلكل يوم موقف وشأن تحدده المصلحة، ولكل حدث الرأي الخاص به، وأين تمل المصالح تمل الآراء.

تعودنا على مثل ذلك وعرفناه سواء في الصحف والقنوات الخليجية أو حين يكون في مثلها عربيا، ولعلي لا أجد غضاضة بالإشارة إلى أن مثل هؤلاء عرفناهم كثيرا، بل إن تغير مواقفهم والقفز من جهة إلى أخرى مناقضة لها في التوجه والفكر، لا يخجلهم بل يزيدهم إصرارا على تكرار الأمر "أو ليس الرزق يحب الخفية" على حد قول أهلنا في مصر.

يبدو أن الأسماء لديك عزيزي القارئ كما لدينا تتقافز من فرط كثرتها، ورغم انكشافها إلا أنها ما زالت حاضرة في المشهد وعلى عينك يا تاجر.. ومن أولئك الذين يطالنا الضحك مما نشاهده لهم من حوارات أو نقرأه لهم عن "عاصفة الحزم" السيد عبدالباري عطوان الذي مازال في الصورة وكأنه يشهد الآخرين على القفز المستشري من جهة لأخرى، فعبر لقاءين تلفزيونيين اثنين قبل عاصفة الحزم بقليل، وبعدها مباشرة "قناة الجديد ومن ثم القناة التونسية" كان الرأي الذي أطلقه في المرتين مثار ضحك وسخط، بل وتساؤل كيف كانت قنواتنا الخليجية ومن تستدعيه عربيا تحتمل مثل هذا التناقض وتصبر عليه؟

تأملوا كل حرف قاله هذا الرجل، عبر لقاءيه ليكشف عن ضحالة فكر تبحث عن التكسب، ويبدو أنه وجده لدى الإيرانيين.. فهو قد صنف إيران قبل عاصفة الحزم بالقوة العظمى التي لديها ما لدى روسيا، تلوح بقوتها وعلى الآخرين من العرب أن يذهبوا إليها لمصالحتها ومداهنتها، بل إنه أكد مبتسما على أن "السعودية بدّهاش تحارب"، لكن تغير الأمر لديه بعد انطلاق عاصفة الحزم، فضاق وانتفض وتساءل لماذا يُنظر إلى إيران نظرة العدو، ويصرخ: ماذا فعلت إيران؟! ونقول له: ألست المطالب بمصالحتها وطلب رضائها قبل أيام لأجل كف شرها عنّا، ولماذا تبينت لك القوة العسكرية السعودية الآن وأصبحت تطالب بأن توجه نحو إسرائيل؟

في علم المتناقضات الإعلامية أكاد أجزم بأنه ليس هناك مثيل للسيد عطوان، وهو وأمثاله يلعبون على وتر اختلافاتنا، محاولين العبث بفكرنا وتوجهاتنا، ولا بأس إن قفز من مكان لآخر كما البهلوان، كيف لا يفعل وهو يرى أن العابثين المتكسبين من مكان لآخر ما زالوا الراقصين الأساسيين في محطاتنا وصحفنا الكبيرة.

ختام القول نشير إلى أن عطوان حالة واحدة من بين حالات كثيرة، ذات القدرة على تغيير المواقف حسب المصالح، اليوم هو ضمن ركاب السفينة الإيرانية، ولا يعنيه شيئا إن حارب لأجلها وتبنى مواقفها، كيف لا وهي القوة العسكرية العظمى المتحكمة بالأمور السياسية في المنطقة "على حد رأيه"، وسننتظر بعد حين فلن يضيره أن يقفز منها إلى أخرى.. ألم نقل لكم إن "الرزق يحب الخفية"!