أريد أن أطرح في البداية هذا السؤال الكبير الذي لا أزعم أنني أعرف إجابته ولا أظن أننا نستطيع الحصول من الجامعات على شواهد تمثل إجابات مبنية على حقائق من الواقع لهذا السؤال هو: هل تمثل التخصصات التي ندرِّسها في جامعاتنا مجالات سوق العمل؟ بمعنى أدق: هل ندرس في جامعاتنا مهارات المجالات التي يتضمنها سوق العمل؟ هذا يتطلب منا أن نعرف بدقة مجالات سوق العمل والمهارات التي يتضمنها كل مجال.. هل نحن في الحقيقة، وبالشواهد والأدلة، نعرف كل ذلك؟ سأغامر بالقول إننا لا نعرف مجالات سوق العمل بدقة. وتبعا لذلك فنحن لا نعرف المهارات التي يتضمنها كل مجال. لذلك فإن ما ندرِّسه - أو كثير منه - في جامعاتنا في واد وسوق العمل في واد آخر.. تريدون الدليل؟

هل كل الذين يتقدمون للشركات والمؤسسات طلبا للعمل تقبلهم تلك الشركات وتلك المؤسسات؟ الجواب.. لا.. والسبب كما ذكرت أننا لا نعرف بدقة مجالات سوق العمل. يحسب لوزارة التعليم انتشار الجامعات في مناطق المملكة ومحافظاتها، فقد كان ازدحام الطلاب في السابق من كل مناطق المملكة على جامعات المدن الرئيسية، وكان ذلك كافيا ليسبب ثلاث مشاكل: قلة احتمالية قبولهم، وازدحام المدن الكبيرة، وتكبد الطلاب السفر إلى المدن للبحث عن مقعد في الجامعة. فانتهت هذه المشكلات الثلاث. والآن وبعد أن انتهينا من حل مشكلة الكم لا بد أن نلتفت إلى مشكلة الكيف، هذا ليس خيارا إنه اضطرار. أعرف أن الجامعات الآن أمام مشكلتين رئيسيتين تقفان أمام ملاءمة التخصصات في الجامعات مع سوق العمل. المشكلتان هما: الأستاذ الجامعي الذي لا نحتاج تخصصه، والقسم الذي لم تعد الحاجة قائمة إليه.. ماذا نعمل إذن؟

أما ما يتعلق بالأساتذة الذين لم نعد نحتاج تخصصهم فنرسلهم مرة أخرى في برنامج معروف اسمه بعثة ما بعد التخرجPost Graduate Studies لإعادة تأهيلهم في التخصصات التي نحتاجها. هذا الحل يحل لنا المشكلة الثانية تلقائيا، حيث يتم استبدال الأقسام التي لم نعد بحاجة إليها بأقسام الجديدة.. هذا الحل هو بما فيه من تكلفة أوفر بكثير من استمرارنا في تخريج من لا يحتاجهم سوق العمل. الإصرار على الإبقاء على أقسام لا نحتاجها من أجل عيون الأساتذة الذين يعملون فيها وسوق العمل لا يحتاج تخصصاتهم وبسبب منافحة وحرب هؤلاء الأساتذة على الإبقاء على أقسامهم من أجل الحفاظ على أنفسهم، فيه تفضيل على مستقبل الطلاب ومستقبل الوطن. والاقتراح الذي طرحته هنا يوازن بين مصلحة الوطن ومصلحة الأفراد.. خذوا هذا المثال من الولايات المتحدة.. فقد استدعى الرئيس أوباما سوزن هكفيلد رئيسة جامعة MIT السابقة وحدد لها المهمة واستعانت بفريق مكون من أكاديميين وأعضاء من الحكومة وأعضاء من الصناعيين ونجحت في مهمتها بعمل الآتي:

1- تم تحديد المهارات العليا Advanced Skills الجديدة في سوق العمل.

2- كلفت كليات المجتمع بتدريس هذه المهارات لجميع من يعملون في الشركات والمؤسسات كخطة عاجلة ليبدؤوا فعلا بتدريب 500 ألف كل دفعة حتى يتم تدريب كل المستهدفين.

3- كلفت المدارس والجامعات بتضمين تلك المهارات مناهج التعليم العام والتعليم الجامعي كخطة طويلة. بالطبع هذا يقتضي قفل أقسام وفتح أقسام وتدريب أساتذة، ويتطلب قلب التعليم رأسا على عقب من أجل تحقيق المواءمة الحقيقية بين مخرجات التعليم وسوق العمل. مشكلتنا هنا وعدونا الأول هو الوقت. ومشكلتنا التي لا تقل ضراوة وعداوة عن المشكلة الأولى هي اللجان. لماذا لا نتخلص من اللجان؟ سئل ستيف جوبز مدير شركة آبل ومهندسها الأول وراعي نجاحها: كم عدد اللجان في آبل؟ فحَّلق أصبعيه - السبابة والإبهام - لتشكل الصفر باللغة الإنجليزية وقال بلسانه: صفر.. لا يوجد لجنة واحدة في شركة آبل التي يعتمد معظم سكان العالم في تواصلهم على منتجاتها. ولعل هذا واحد من أسباب نجاحها. يكلف شخص بمهمة وعليه أن يقدم مبادرة وخطة مبرمجة بوقت محدد ويصل إلى نتائج تطويرية، وإلا يمسك الباب.. هذا ما نريده هنا.. لماذا لا نبدأ في حل هذه المشكلة، ولعل في الاقتراح الذي طرحته ما يفيد، وألا نشكل لجنة بل نقلد المتميزين والناجحين بتكليف من نرى فيه الكفاءة لهذا المشروع وفق الخطوات التي حددها ستيف جوبز تبعا للحكمة القائلة: إذا أردت التميز عليك العمل مع المتميزين واتباع خطواتهم.

وخلاصة القول: إن مخرجات جامعاتنا لا تتواءم مع سوق العمل، ولهذا علينا إغلاق أقسام وفتح أقسام جديدة وإرسال الأساتذة في الأقسام القديمة للتأهُّل في التخصصات الجديدة وفق دراسة علمية نحدد من خلالها مجالات سوق العمل الحقيقية. وألا نشكل لجانا بل نكلف من نثق في كفاءته ونحدد له المهام والوقت والأهداف، وعليه تقديم النتائج والاستعانة بمن يرى.. هنا سنحقق النجاح الذي نأمله في تحقيق المواءمة الحقيقية بين مخرجات التعليم وسوق العمل والتي ستقضي على البطالة وترتقي باقتصادنا.