سواء في تجديد مناهجها العجائبي أو تصريحها التبريري لترأس علم الاحتساب الأول على المستوى العالمي تأليف منهج الفقه "المجَدّد" بحسب فهم وزارة التربية والتعليم، المنبعث من آفاق التراث المبجل، أجدني لا أملك إزاء التجديد والتبرير إلا ترديد حكمة الشاعر العظيمة "يا ليتنا من حجّنا سالمين... كان الذنوب اللي علينا خفيفات".

بعبارة "المنجز الوطني" وصف المتحدث الرسمي للوزارة مناهج التجديد، وقد قرأت فقه الصف الأول متوسط "بنات" فرأيته انطلاقا عبثيا لا يقيم وزنا لزمان ولا مكان فضلا عن حالة أو استثناء، بل يحمل في طياته انفلاتا "زمكانيا"، مقطوع الصلة عن إدراك الواقع ومستجداته، حاملا فوضى إفتائية تسعى للتبليد وتتغيا التقليد وتكرس ذهنية الغباء والتسليم والعجز، مما يفجر الأسئلة حول جدوى كثرة الأحكام الفقهية المتناولة تفاصيل التفاصيل لطفلة لا تتعدى الحادية عشر ربيعا، لتغلق عليها مسارات الطبيعة بطائلة أحكام هي من بداهتها تقع ضمن قائمة المباحات وما لا يُسأل عنه، فتعاق ذهنية الطالبة عن التفكير وتنشغل بالتفاهات عن المهمات، ويفتح الباب على مصارع فقه خرج من آنه إلى أبعد من 1400 سنة خلفية، ليقيم علاقة معه من عدم، وبتبليد ذهني يكرس صاحبه قاعدة ما أريكم إلا ما أرى.

فقه وصل لدرجة السؤال عن حكم أكل الأرز، أحرام، مكروه، أم مباح، لتصاب الطالبة بوسواس قهري ذي تخصص فقهي عن حكم أكل المكرونة، أو والعياذ بالله الباستا القادمة من بلاد الفرنجة؟!

وليت الوزارة تكرمت بالسكوت، فتبريرها وتجديدها يمثلان مواربة الحقائق وتزييف الواقع؛ إذ تدعي أن المؤلف لا دخل لآرائه الشخصية في الكتاب، كيف وهو أكبر احتسابي تشكو منه الحياة والمرأة والتنمية والبهجة، ويسعى لفرض آرائه المتشددة، بل لو ملك الأمر لأسكن المرأة جحرا لا تخرج منه إلا للقبر، فهو المحتسب ضد كاشيرات بنده، وقائد الاحتساب على نائبة الوزارة، وصاحب أشهر فتوى عالمية "هدم الحرم"!

كتاب الفقه هذا كتب على غلافه "بنات" ومحتواه ذكوري صرف حتى بأحكامه وأسماء الممثلين فيه، "محمد وأحمد وعمر"، والمرأة ذكرت فيه مرتين، مرة بوصفها "نجسة" منذ كانت رضيعة، مستدلاً بحديث روته عائشة "أتي بصبي صغير لم يأكل الطعام فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه على ثوبه، ولم يغسله" والتعليق جاء بعد إغلاق قوسي الحديث، ليمنحنا فضل رأيه العنصري بطهارة خاصة للرضيع الذكر لا الأنثى! وبقدسية تغالب المقدس.

والمرة الأخرى كـ"عورة"، في حكم ستر العورة "يجب أن تغطي وجهها وكفيها في الصلاة إن كانت بحضرة رجال أجانب"، كحكم مؤبد ومسيج بالقطع "يجب". فالمرأة في العقلية الأحمدية تأتي على صفتين مرة نجسة، وأخرى "عورة" في موضع هويتها "وجهها"؟!! فما أعظم التجديد يا وزارة التربية!! مبروك عليكم.

ورغم أن الكتاب عن الصلاة إلا أنه يركز عليها كحركات وسكنات ووسوسة طهارة، وتناقض بين أحاديث تجعل الماء الكافي للوضوء ما يملأ الكفين، ثم تؤكد على تهديد الأعقاب بالنار" وعلى التثليث، 3 مرات لبعض أماكن الوضوء.

يتناول الكتاب كل متعلقات الطهارة حتى التي انعدمت، ويرهق طفلة في بداية التكاليف بوسوسة الشك عوضا عن روحانية الصلاة وقيمتها التهذيبية وجدانياً، وبانصراف كلي عن الواقع، كحديث "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". الحديث يرشد لآن وحال مخصوصين، لكن القصد غائب خلف ضياع العلاقة بين المعنى وفضائه، فالماء الآن نفتحه فينزل إلينا ولا ننزل إليه!

ويخاتل هذا الفقه للإبقاء على الاستجمار مقابل الاستنجاء؛ فيقول: "والجمع بينهما حسن" 26، فهل نستبدل إكسسوارات الحمام بالحجارة نستجمر بها مثلاً؟! ويكمل: على ألا يكون الاستجمار بعظم ولا روث، وبسبب ينزع للتخويف ولا يبطل العجب؛ "لأن العظم طعام إخواننا من الجن؟!!، والروث طعام دوابهم"!! والله كان الجن إخوانكم فالله يهني سعيد بسعيدة؟!

وإليكم سؤال يتبرأ التعجب منه: متى يجوز للإنسان أن يبول واقفا؟!

ماذا تفعل في الحالات التالية: صليت ناسيا وتذكرت بعد أسبوع أن صلاتك بغير وضوء؟! وحاول أن تفهم عقلية التحديد بأسبوع! وعلى ضوئه تتوالى المتشابهات المشككات وتأتي الأحكام ليست منها ببعيد:

"من قطع نية الصلاة في أثنائها فسدت صلاته، وعليه الابتداء" كيف يقطع الإنسان نيته؟! "من رفع قدميه أثناء السجود كله فقد ترك ركنا من أركان الصلاة" وكأننا في جمباز لا صلاة؟! إنه فقه خلط مواطن الاسترشاد قديماً بوجوبية الأحكام فتاه بين غائب حاضر، فقه للآن يغسل ما ولغ فيه الكلب بالتراب، ويتوضأ من لحم الجزور، ولا يجد بأسا بالصلاة في مرابض الغنم، ويراها أطهر من بول الأنثى الرضيعة.

إشكالية الأحاديث ذات المضمون الفقهي جاءت نتيجة منطقية للضغط الكبير الذي مارسه المحدثون على المدارس الفقهية التي اضطرت بدورها لاعتماد منهج مماثل، مع إضفاء قداسة زائفة على منهج بشري تمت صياغته في فضاء معرفي مخصوص، والموقف ينادي بإعادة النظر في مناهج علوم الحديث وكتبه التي تشكلت وفق هذا المنظور "منظور القداسة". وتسييج فهم "النص" واحتكاره أدى لالتباسه في الأذهان بالموروث الفقهي، والموروث الفقهي لا يمكن اعتباره أوامر إلهية، فالقداسة للنص لا المعنى المفسر بنظرة فقيه أو محدّث، فعبارة كـ"علقها في رقبة مفتي" انتهت، ونحن في زمن سيادة العقل.

يدعي متحدث الوزارة أن وزارته لا تقبل إلا ما اعتمد علميا، وتتأكد مما قد يشوب المعلومة في الإطار الفكري أو العلمي، ليته يطبق ادعاءه على بول الرضيعة!