أخذت عاصفة الحزم الإنسان العربي نحو التفكير بالكرامة والإحساس بالذات بعد طول فراق، وطَغَت متابعة الميدان اليمني على كلّ ما قبله وما بعده بسبب الهجمة المضادة والتهويل وصور سورية والعراق وغير مكان من الوطن العربي، حيث هانت فيه الإرادة العربية وتلاشت أمام الاختراقات والعدوان، وربما أيضاً الانهزام. كلّ ذلك جعلنا نتابع الحدث اليمني كحدث وجداني ولم نعطِ الكثير من الاهتمام لمعناه السياسي المحلي والإقليمي والدولي. ولم نسأل أنفسنا السؤال الطبيعي: ماذا لو لم تحدث عاصفة الحزم؟
جاء القرار الدولي 2216 الخاصّ باليمن وتحت الفصل السابع بتأييد 14 عضو، وتمنّعت روسيا عن التصويت ليعود الحدث اليمني إلى أساسه الحقيقي وهو أنّ اليمن ومنذ نجاح المبادرة الخليجية التي وقّعها الجميع وأدخلت اليمن في مرحلة انتقالية، كان قد وضع هذا النجاح للمبادرة الخليجية بعهدة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي أيّد المبادرة الخليجية وسلّم اليمن ومبادرته وأهله ودولته للمبعوث الدولي والممثّل الشخصي لأمين عام الأمم المتحدة جمال بن عمر.
تميّزت تجربة بن عمر عن غيره من الممثلين الشخصيين للأمين العام في كل من سورية وليبيا إذ كانت مهمّة هؤلاء إيجاد حلّ للأزمات في حين أن السيد بن عمر كان الحل سابقا لقدومه المبجّل، وما عليه سوى الإشراف على تطبيقه مدعوما بالشرعية الدولية والإمكانات الخليجية الكبيرة التي وُضعت لمساعدة اليمن على عبور المرحلة الانتقالية بكل أمان وسلامة. إلا أن ما حصل هو أن العزيز بن عمر حوّل النجاح الخليجي إلى فشل وأضاع هيبة المنظمة الدولية.
لا نقصد الإساءة لجمال بن عمر لأن كل المبعوثين الدوليين إلى الأزمات العربية يفشلون في حلها وينجحون في زيادة تأزمها، وهذا ما جعل المملكة العربية السعودية ترفض عضوية مجلس الأمن الموقّتة بعد التصويت المميز على عضويتها من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أعلنت المملكة وبحزم رفضها العضوية بسبب ازدواجية المعايير لدى مجلس الأمن مما قوّض مصداقيته وخصوصا القرارات المتعلقة بالعرب منذ العام 1947 حتى الآن. وأعتقد أنّ رفض السعودية لتلك العضوية كان أولى بشائر الحزم العربي.
يعرف الجميع أن الأولوية لدى المجتمع الدولي كانت المفاوضات حول النووي الإيراني. وتحت هذا السقف توسّعت إيران في زرع الفوضى في سورية والعراق وغزة واليمن، وسيطرت علنا على كثير من الشرعيات العربية نتيجةً لتساهل المجتمع الدولي معها تحت شعار "المحافظة على المفاوضات". فكانت سنوات من القتل والدمار. وفي الأسابيع الأخيرة من المفاوضات التي حدّدت جولتها النهائية في الرابع والعشرين من مارس الماضي في لوزان، تأخّرت إيران بالحضور إلى الخامس والعشرين، لأنها أرادت أن تذهب واليمن تحت سيطرتها قبل نهاية المفاوضات، إذ إنها كانت تعرف أن المجتمع الدولي بعد الاتفاق النووي ليس كما قبله.
الآن السؤال: ماذا لو لم تقع عاصفة الحزم في ذلك المساء؟ طبعا كانت الضحية الأولى هي الشرعية اليمنية المتمثّلة بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي لو تأخر يوما واحدا في إقامته الجبرية في صنعاء لكانت مهلة الثلاثين يوماً انتهت وأصبحت استقالته نافذة. وأيضا لو تأخّرت عاصفة الحزم يوما واحدا كانت عدن ستُحتَلّ وستنتهي معها الشرعية نهائيا، وتُحكَم اليمن بالإعلان الدستوري الحوثي. ولن يكون المجتمع الدولي قادرا على شيء لأن أولويته المطلقة في تلك الساعات هي إنجاز الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي.
السؤال الثاني أيضا: ماذا لو تأخّرت عاصفة الحزم يوما واحدا واليمن بدون عبد ربه منصور هادي وشرعيته؟ وأية قمة عربية كانت ستعقد في الثامن والعشرين من مارس 2015 في شرم الشيخ، على إيقاع نجاحات قمة الحزم الاقتصادية في مصر التي كان لها عظيم الأثر في الوجدان العربي والتي أسّست للإحساس بالثقة بالنفس مع الدقائق الأولى لعاصفة الحزم العسكري؟ ترى كيف كان سيكون منظر الملوك والرؤساء العرب في قمّتهم العربية في الذكرى السبعين لقيام جامعة الدول العربية؟ وأي شرعية عربية بعد أن نكون قد خسرنا العراق واليمن وسورية وليبيا وفلسطين ولبنان، وكلها دول شقيقة فاقدة للشرعية والسيادة في آن؟
والسؤال الثالث هو: ماذا كان سيكون حال الشرعية الدولية فيما يخصّ اليمن وباقي الأزمات وكيف كان من الممكن صدور القرار 2216 في الخامس عشر من نيسان أبريل 2015 وتحت الفصل السابع وبإجماع 14 دولة وامتناع روسيا عن التصويت؟ هذا القرار الذي أعاد ثقة العرب بالشرعية الدولية ويبشّر بزمن جديد لمجلس الأمن مع القضايا العربية من القضية الفلسطينية إلى الأزمات السورية والليبية والعراقية.. وكيف كان من الممكن أن يدعو الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى اجتماع لرؤساء أركان الجيوش العربية تنفيذا لقرار القمة العربية لبحث آلية تشكيل قوة ردع عربية مشتركة، بدون النجاح الذي حقّقته عاصفة الحزم العربية؟
والحديث يطول عما سبق وتلا الحزم العربي. وحتى الآن نستطيع أن نقول إن عاصفة الحزم أنقذت الشرعيات اليمنية والعربية والدولية.