تحول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بـ"داعش"، من ما كان يُعرف سابقاً بـ"جماعة التوحيد والجهاد" التي كان يقودها الإرهابي "أبو مصعب الزرقاوي"، وهو التنظيم الذي تشكل في عام 2004 وبايع بعد ذلك قيادة التنظيم الإرهابي "القاعدة في بلاد الرافدين".
تطور التنظيم الصغير وكبر شيئا فشيئا. وعلى الرغم من تلقيه ضربة بمقتل زعيمه "الزرقاوي" إلا أن التنظيم استمر في التماسك، فعين الإرهابي أبو حمزة المهاجر زعيما جديدا لبضعة أشهر، قبل أن يدخل التنظيم نقطة التحول التي أعلن فيها عن تغيير مسمى التنظيم إلى "دولة العراق الإسلامية" بزعامة أبو عمر البغدادي، الذي قتل على يد القوات الأميركية 2010 ليظهر إلى سطح المسرح السياسي الحربي رئيس التنظيم الحالي "أبو بكر البغدادي"، وهو تسلسل طبيعي عادة ما تمر به الجماعات الجهادية المتطرفة، وما يدعم نمو هذه الجماعات هو التعاطف الشعبي الخفي أحيانا باسم الدين.
وعندي من القصص التي تعود إلى أزمنة اختطف فيها العقل لصالح أطراف بعينها، ما يجعلني أثق أن غياب المشاريع التي تعتمد المنهج العقلي في تناولها، أهم لاعب أساسي يقف خلف التنظيمات الإرهابية.
أول من أمس تمكنت الجهات الأمنية في المملكة العربية السعودية من رصد تحركات مجموعة كبيرة من الإرهابيين في منطقة الرياض، وألقت القبض على عدد كبير منهم، يمثلون خلية كانت تخطط لزعزعة أمن البلاد والعباد، وترويع الآمنين باسم الله كعادة التنظيمات الإرهابية التي لا تريد شريكا لها في المجتمعات الإنسانية.
صحيح أنه لا دين ولا أرض للإرهاب، لكن ما أثار دهشتي أن تسجل جازان حالة قبض على "مستدعش" ثلاثيني، يشجع على نشر الفكر الجهادي المتطرف، ويؤيد همجية التنظيمات الإرهابية وأهمها تنظيم "داعش"، وقيل إنه يرسل البعض إلى محارق العراق والشام.
مندهش لأن جازان لم تكن يوما إلا مجتمعا مسالما بسيطا، يتعايش مع بعضه البعض بتوائم واضح، وتذوب في نسيجه كل المجتمعات القادمة من خارجه دون استثناء، متقبلا للآخر بكل ثقافته وسلوكياته وعاداته الاجتماعية، ومن الصعب أن يكون بيئة خصبة للفكر المنحرف، لكن ذلك ليس مستحيلا على أية حال.
ومع ظهور أولى حالات الاستدعاش الصريحة يتوجب علينا تكثيف العمل التنويري، وتنويع طرق التفاهم الحديثة مع شرائح المجتمع، لتصحيح كثير من المفاهيم التي كرستها ما أطلق عليها الصحوة داخل بنية النسيج الاجتماعي، وجعلت منها دينا داخل الدين، بل إنها أوجدت لنفسها مجتمعا داخل المجتمع نفسه، في الوقت الذي لم يتخيل أحد ما وراء الأكمة من تفاصيل سوداء ولئيمة، ويبدو أننا اليوم نواجه تبعات فكر ما سُمي بالصحوة، ونصطدم بمخرجات الجيل الذي تتلمذ على أيدي الحركيين الانتهازيين من الصحويين، وهم الذين تشكل فكرهم داخل المخيمات الصيفية، فأصبحوا رصاصات نائمة في مستودع الذخيرة، لم تكن بحاجة إلا لمن يضغط على الزناد، هذه الرصاصات الكامنة انتبهت وكشفت عن نفسها، مع أول تحرك لعقلها المبرمج مُسبقا وطفت على السطح.
والإرهاب ظاهرة عالمية معقدة تتعاضد عدة أسباب في ظهوره، لكن أبرزها يكمن في أحادية تناول المفهوم الديني على وجه الخصوص، ومحاولة اجترار إرث له زمانه ووقته وظروفه التاريخية، والإصرار على تبني مدرسة واحدة لا شك أنه يرفع من درجة التحيز الذي ينتج عنه لاحقا رؤوس طائفية تُعبر عن ذاتها بطريقتها الخاصة.
وأرى أن أهم سبب في تشكل هذه الظواهر المتطرفة هو العمل بمنهج يقلل من شأن العقل وتزكية النقل بالمقابل لقرون عدة، ألقت بظلالها على ثقافة أمة بأكملها دون رحمة، ولمواجهة هذه الأنماط المنحرفة فإننا بحاجة ماسة إلى ثورة فكرية عظيمة، لنتخلص من مثل هذه المجاميع التكفيرية المتطرفة، ونبدأ بالتفكير من داخل أعماق تراثنا وليس من خارجه.