بقدر ما للحروب والأزمات من مآسٍ تصل حد الفجيعة أحيانا، بقدر ما هي تفتح أبوابا جديدة للتفكير في الواقع الإنساني والوطني. وفي خضم هذه الأحداث المتلاحقة التي تعصف بالعالم العربي من البحر إلى البحر، يقف العقل محتارا ومرتبكا في سبر أغوار السياسة، وكيف يفكر السياسيون في هذا العالم؟ لكن المؤكد أن ما يهمنا الآن هو وضعنا الداخلي وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، فمن المهم أن تكون لدينا رؤية واقعية وعلمية، لا تعتمد على العواطف والأحلام، حتى يتخذ القرار الصحيح، وفي الوقت المناسب في كل المجالات التي تمس حياة ومستقبل الناس.
وهنا أقول وبكل صراحة، إن الأزمة الحالية كشفت مدى الأخطاء والتقصير الكبير في جانب التواصل الثقافي مع النخب الثقافية والإعلامية ذات التأثير والوزن الحقيقي في الكثير من البلدان العربية، وخصوصا تلك التي لنا تماس معها كاليمن ومصر وسورية والعراق، ففي السنوات الأخيرة لم نعد نجد في مؤتمراتنا الثقافية والفكرية والإعلامية، سوى أسماء ضعيفة على مستواها المحلي وليست ذات حضور حقيقي في بلدانها، فلا نجد لحضورها أي صدى أو نقاش جاد يضع الحروف على النقاط، ويوضح مواقفنا السياسية والثقافية بشكل صحيح.
طبعا، أنا هنا، لا أقصد بالمؤثرين وأصحاب الرأي، أولئك "المرتزقة" الذين يملؤون وسائل إعلام عربية عديدة صياحا، بناء على من يدفع لهم أكثر. فهؤلاء أصبحوا مكشوفين للجميع، ولم يعد لهم أي مصداقية لا في بلدانهم ولا خارجها. لكنني أتحدث هنا عن قامات فكرية حقيقية أهمل التواصل معها ودعوتها لحوارات فكرية وثقافية شفافة، نتيجة لاختلافات هامشية معها في بعض الرؤى والمواقف.
المحزن أكثر أن دور الملحقيات الثقافية السعودية في جميع دول العالم أصبح لا يتجاوز متابعة دراسة مبتعث أو ما شابهه (إلا ما ندر)، وهذا ما أفرغها من دورها المفترض، الذي تقوم به جميع مثيلاتها في العالم، وهو جمع مثقفي وأصحاب الرأي والفكر في البلد الذي تقع فيه الملحقية على طاولات حوارات جادة، وعدم استثناء أي طيف أو فكر حتى وإن كان مختلفا، فمثل هذه اللقاءات لها تأثير كبير في إيضاح الصورة الحقيقية لسياسات ومنطلقات أي بلد، وهي كذلك تضمن إيجاد قنوات تواصل وحوار مستمرة، سيكون لها تأثير كبير في حل أي أزمة أو سوء فهم.
وبوضوح أكثر، أعتقد أن المراهنة الدائمة والوحيدة على الزعامات الدينية والفئوية والقبلية في البلدان العربية لم يعد مجديا أبدا، بل قد تكون نتائجها سلبية في كثير من الأحيان.
لنفتح أبواب التواصل مع المثقفين والمفكرين العرب حتى المختلفين معنا بدون أي حواجز، وسنرى فهما أكثر لحقيقة مواقفنا وقراراتنا، وسنصل إلى مرحلة تحل فيها الكثير من الخلافات البينية العربية.