يتنحى الفعل الثقافي ويضمحل ثم يخفت حينما يصار إلى جعله مكونا من مكونات التنافس الشخصي بغية الفوز بمكان أو مكانة داخل المشهد، الحلم بالحضور في فاعليات المؤسسة الثقافية حق مشروع لكل مهتم تتوافر فيه متطلبات ذاكم العمل، غير أنّ ما يترتب على حمى التنافس يحيل إلى تصور أن "المغانم" تطغى على الفعل الثقافي الجدير بالاهتمام والرعاية مهما كانت برمجيات المؤسسة الثقافية نمطية وهادئة ورتيبة أو غير مقنعة، قد نكسب القضية ونعيش نشوة الانتصار يوما أو يومين غير أن ركنا مظلما منزويا سيكون مستقرا لكل ما من شأنه رفد المشهد وتغذيته، خاصة إذا وصل الأمر إلى الحد الفاصل بين النزاهة والفساد.
من المنطقي والموضوعي في نقد الأعمال أن ننظر إلى النتائج، فإذا كانت النتائج تقارب المتوقع والمأمول مما تعمل عليه المؤسسة فهو أدعى إلى تقويمها وتعزيز مواقفها الموجبة، وتحسين نقاط الضعف وتقويتها، لا مهاجمتها والصدّ عنها والعمل على إيقاف خطواتها الأخيرة، من المنطقي والموضوعي أن يشارك المثقف في تشييد المعمار، وإقالة العثرات، وإحسان الظنّ حتى يثبت العكس، هذا إن كانت الرؤية مشتركة وليست إشعاعية متعددة الألوان والغايات.
المرجعية في وزارة الثقافة والإعلام تبقى هي المسؤولة عما يحدث في الأندية الأدبية مهما حاول بعضهم التوسل إلى غيرها من الأسباب والدواعي والمبررات، غياب أو تأخر اللوائح المنظمة يبقى صخرة جاثمة على صدر المشهد الثقافي، صخرة معيقة لكل تقدّم كنّا نأمله أو نتحراه من الأندية الأدبية، تلكم القضايا النافذة أو المعلقة ليست بوادر خير على المثقفين والمبدعين، بل على العكس فمزيد من الاشتباك لن يعبر بالمركب إلى الشاطئ، وإنما سيبقى حائرا تعتوره الدوامات والأرياح حتى تضيع وجهة البوصلة، وهذا ما لا نبتغيه، ولن تغفره لنا الأجيال مستقبلا أيا كانت محاولاتنا في تجميل المشهد ووصفه بأنه حراك معتاد يقع في كل مكان وزمان!
لا أعلم حقيقة المغزى من تأخر تلكم اللوائح والقوانين المحدّثة الموعودة على الرغم من التحرك السابق وتكوين اللجان وعقد اللقاءات حولها، لكن المؤشرات، ومنها ما يحدث بين المثقفين ومؤسساتهم، تحيل إلى خسران مبين، ناهيك عما يتداول في الجمعيات العمومية، ما جعل مديري الأندية الأدبية -المعتزلين سريعا- يسارعون إلى إخماد حرائق متوقدة هنا وهناك بدلا عن حفز المثقفين لصنع واقع أكثر فاعلية وإنتاجا.