انطلق لعدة منعطفات ومشاهدات مباشرة تستحق الوقوف عليها إهابا وجمالا لأحد أهم البرامج المستلهمة للتراث العربي العريق، والمحفزة لحراك المشهد الشعر العربي المعاصر، فمن جماليات برنامج "أمير الشعراء"، آثرت أن يكون مقالي توصيفا في نقاط؛ وفاءً للغتنا السرمدية وشدها بتنظيم البرنامج وأهدافه، وعلاقة يحفها الحب والمسؤولية معا.

•بدء جمال البرنامج كان من فكرته، حيث انطلق من أهمية لغة الضاد ومسؤوليتها، وتثبيتا لديوان العرب وهويته الشعرية في زمن متسارع نحو اللغة والهوية والتراث!.. حتى تحول "أمير الشعراء" من برنامج تلفزيوني إلى مشروع إبداعي، يتعلق بمستقبل أجيال شابة من الشعراء العرب، لتوظيف طاقاتهم وإمكاناتهم الشعرية والتعبير عنها بمثالية التحفيز والتفاعل الجماهيري المباشر، والاستثمار الواعي لوسائل الإعلام.

•في نسخته السادسة بدأ البرنامج بهديره الباهر وموسيقاه المتناغمة في "أوبريت غنائي" افتتحت به أول حلقة بعنوان "تشبه الأوطان دوما أهلها"، فكان تجسيدا وجمالا للعلاقة الوشيجة بين السعودية والإمارات، وقصة دولتين تمتلكان جذورا ضاربة في عمق التاريخ من اللحمة والمواقف المشرفة بينهما وامتدادا نحو الأمة العربية والإسلامية.

•أسدل ستار الموسم السادس لبرنامج "أمير الشعراء"، وكانت الكلمة لعشرة أسابيع فيها دائما للشعر ولجمال الكلمة وجبروتها! أثبت الشعراء فيها امتلاك لغة باذخة، فكانوا لسان الحال لإحياء لسان العرب وديوانه بحق، أبدعوا وقدموا نصوصا تليق بالتظاهرة الثقافية، عبروا عن الحب والأوطان، تنافسوا على إبداع الكلمة وجمال الحروف، وبين فرح التأهل وحزن الخروج، أتت النتيجة على قدر توقعات لجنة التحكيم قوية ومليئة بالمفاجآت، استطاع بفخر شاعرنا السعودي "الفاخر" حيدر العبدالله أن يخطف بردة الشعر وخاتمها.

•لجنة التحكيم كانت رفيعة الحضور والنقد والموضوعية، فشكلوا بصمة خاصة للبرنامج بقدرتهم النقدية الفنية الشفافة، التقطوا أدق التفاصيل حد الدهشة، أظهروا فيها نقدا بتصويب تجارب الشعراء ومسيرة الإبداع الشعري بذائقة نقدية سليمة وعميقة نحو المشاركات، فكان حضور المصري الدكتور صلاح فضل مدهشا باذخا، والإماراتي الأنيق الدكتور علي بن تميم إبداعا في الحضور والبراعة في سبر أغوار ديوان العرب وتفكيكه، والجزائري الشفّاف بقسوة "الغيرة" على القاف المختومة بـ"شكرا" الساكنة الدكتور عبدالملك مرتاض؛ فمثلوا إضافة حقيقية لتفكيك ونقد وتحليل لغة عصية على الانكسار، تنتح من نصوص تليق بتظاهرة ثقافية عربية كبرى.

•كان السعوديون "صُلب" المسابقة حضر فيها ثلاثة نجوم من الطراز الرفيع والمعادلة الصعبة.. فكان برفقة "أمير الشعراء" حيدر العبدالله، والأنيق مفرح الشقيقي صاحب الروح البيضاء والكلمات النقية المفعمة بطهر "الوطن" و"الأم" معا، والمتألق برمزيته وباللحظات الشعرية وجنونها الأبدي حسن صميلي.

•"أمير الشعراء" و"شاعر عكاظ" -تبارك الله- حيدر العبدالله.. غصنٌ يانعٌ جميل لعب دوره الشعري بإتقان وبراعة، أعطى القبلة لقصائده وأخذ منها، عباراته مصورة بليغة بلغة باذخة، وقلب طفل، ذاكرته مشحونة بكل ما هو جميل في اللغة، وشعر نقي شفاف، تصويره صوفي جميل وجليل من لحظات المكابدة إلى لحظات الإلهام الشعري والإبداع الشعري، قصائده رحلة بحث جميلة مليئة بمجازات حديثة، فحق لنا أن نضع قبلة على قصائده المملوءة بالشعر والحب والجمال.. وعندما نحتفي بقصائد فهي أهل بالاحتفاء، ويحق أن يفاخر بها، فشعره شعر، وتصويره تصوير، ونسجه عبير، يتمرمر في وجه من حرير، يحق لأبوظبي أن تختال وتهتال بشعره ولأنها الأجمل (أبوظبي) فكان الأليق بها هذا السحر الحلال.. ذاك ما وصفه النقاد ولجنة التحكيم، وأقواس "خضراء" زاهية.

•المتألق الممثل السوري باسم خوري، وهو الذي استطاع من خلال حرفيته العالية وطريقته الحاضرة في التقديم؛ أنّ يقترب من مساحة الشعراء الخاصة، وبات صديقا للشعراء وجمهوره ليرافقهم كل أسبوع في مشوارهم على المسرح، وإن غلب على مفرداته "بعض" من العامية في مسابقة "فصحى" ولكن التألق والحضور لم يبارحاه في كل حلقة.

•آخر منعطف، يبهرك الحضور المنظم والأنموذج المشرف لتنظيم البرنامج، فإنصافا ووفاء نشكر جميع القائمين الذين تميزوا باحترافية الأدباء مع المشاركين والمدعوين بأناقة التواصل وحسن التنظيم والاستقبال، وإبداع تجاوز جمال الشعر وكينونته، وحماسة تكامليّة تتناثر في كل اتجاهات البرنامج وزواياه وبين حروف مشاركاته ورؤى قصائده، بدءا بتشريف الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، والدعم الواضح لرئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي اللواء فارس بن خلف المزروعي، ورائع الحضور والأدب والكلمة مدير أكاديمية الشعر سلطان العميمي، والأنيق الطموح دائما عضو لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي عيسى المزروعي، ورجلي التنسيق العام والمهمات الصعبة الإعلامي الرائع عارف عمر، والمتألق عبدالله المصعبي وكافة القائمين على البرنامج العربي المبين!