على مدار أكثر من أسبوع، والمجتمع السعودي بكُتابه ومثقفيه ورأيه العام منشغل بقضية واحدة، ويعلوه سؤال عريض "لماذا رفض مجلس الشورى تمرير مشروع الوحدة الوطنية؟".

كثير من التحليلات رافقت القضية التي بدت وكأنها كرة من الثلج تكبر ويتسع قطرها مع مرور الأيام.

وفيما انشغل بعضهم بكيل الانتقاد إلى موقف المجلس، تجاوز آخرون ذلك للمطالبة بحله، في وقت راح قسم ثالث يعلي لغة التشكيك بنوايا مسقطي المشروع عن مرحلة الملاءمة.

ردة الفعل التي سيطرت على المجتمع طوال الأيام الثمانية الماضية، كانت لطرف واحد وهو الطرف المؤيد لإقرار هذا المشروع، والرافض لموقف مجلس الشورى القاضي بإسقاطه، غير أن الطرف الآخر غاب أو غيب عن الوجود الإعلامي، ولكن الأكيد أن الغضبة التي تعصف بمجلس الشورى هذه الأيام، تُصنف بأنها الأعنف التي يواجهها منذ إعادة إنشائه بشكله الحديث.

ثلاثة من أعضاء مجلس الشورى، تحدثت إليهم "الوطن" على مدار اليومين الماضيين، لتستطلع آراءهم عن الحملة الإعلامية التي تواجه المؤسسة البرلمانية، وكان الاتفاق سيد الموقف بخصوص أن القضية برمتها كشفت عن وجود أزمة تعبير لدى النخب المثقفة والكُتاب والإعلاميين، وأن النقد المرافق انحصر في اتجاه ركوب الموجة لا محاولة تقديم الحلول أو استعراض الموضوع بشكله الحقيقي.

عضو مجلس الشورى الدكتور راشد الكثيري، يرى أن الحملة الإعلامية التي تعرض لها المجلس "غير منصفة"، وقال لـ"الوطن"، الحملة التي يشنها البعض على الشورى ليست مبنية على أسس سليمة.

وأضاف "بودي أن أطرح تساؤلات: هل الذين انتقدوا المجلس قرأوا الأنظمة المقدمة أم أنهم كانوا مع الخيل يا شقراء؟. هل الموضوع المقدم يتحدث عن اللحمة الوطنية الحقيقية ويتناسب عنوانه مع الموضوع المقدم أم لا؟".

وبدت لغة الاستياء واضحة على الكثيري، خصوصا تجاه من سعى تلميحا أو تصريحا إلى التشكيك في وطنية الأعضاء الذين صوتوا على عدم ملاءمة الموضوع للنقاش، وقال "بغض النظر عن صوتي أنه ذهب لمصلحة المشروع أو معارضته.. فأنا أرى أن الدراسة مطلوبة ومحمودة، ولكن يفترض أن تكون مبنية على أسس سليمة".

وأضاف "الذي دفع مجلس الشورى إلى اتخاذ قرار كهذا، هو وجود مواد في النظام الأساسي للحكم تغطي الموضوع بشكل أكبر عما احتوته مشاريع الأنظمة المقدمة.. ثم إن عنوان الموضوع يختلف مع محتواه.. ما أود التأكيد عليه، هو أن الجميع مع اللحمة والوحدة الوطنية، وليس هناك أحد من المعارضين يرفضها، لأنها جزء من الجوانب الشرعية المتصلة بطاعة ولي الأمر والمحافظة على كيان الدولة".

وكان هناك اتفاق من عدد من أعضاء مجلس الشورى الذين تحدثت إليهم الصحيفة، على أن النخب سقطت سقوطا ذريعا في أول اختبار ديموقراطي.

وعلق الكثيري على ذلك بالقول "من يقودون الحملة ومن كتبوا ضد المجلس إذا كانوا في السابق ينادون بالديموقراطية والأمر الشوري، فمن أصول المبادئ الشورية والديموقراطية أن يتم قبول قرار الأكثرية".

واتفق مع ذلك عضو الشورى الدكتور خالد العواد الذي انتقد في سياق اتصال هاتفي أجرته معه "الوطن" النقد الذي ساقه بعض النخب، والذي ينطوي على سياسة "إن لم تكن معي فأنت ضدي".  وقال: "مع إيماني بأن كل ما دار خلال الأيام الماضية هو ظاهرة صحية، إلا أنه كشف وقوع الكُتاب الذين ينادون بالديموقراطية وحرية التعبير في سقطة حرّف الموضوع عن شقه الأساس الخاص بالوحدة الوطنية، لنقاش قضية الخلل في الممارسة الديموقراطية، أي أنهم صوبوا أسلحتهم تجاه هدف آخر".

ولا ينتاب العواد أية شعور بالانزعاج بالنقد الذي مارسه الإعلام بحق مجلس الشورى على خلفية قضية مشروع الوحدة الوطنية، غير أنه يرى أن الإشكال كان في منهجية الطرح.

وأضاف "القضية كشفت وجود خلل في طريقة العرض ونقص المعلومة، وخلل في المنهجية في أوساط كُتاب الرأي.. يبدو أننا نحتاج إلى مراجعة هذا الوضع قبل أن نطلب حوارا ووطنية.. فالحوار ليس مجرد عواطف".

ولام العضو الدكتور خالد العواد بعض زملائه داخل المجلس، لتصعيد الموضوع وتحويله إلى ساحة مساجلات خارج قبة مجلس الشورى، مطالبا إياهم إن هم أرادوا الحديث عن الملف خارج أروقة المؤسسة البرلمانية، أن يعتمدوا الوضوح والإنصاف والعدل في الطرح، وأن يقبلوا برأي الأغلبية، إذ كان واضحا أن الذين عبروا عن رفضهم للمشروع كانت لهم وجهة نظر واضحة وقوية.

ومع كل ذلك، إلا أن العواد يعتقد أن هناك كثيرا من الإيجابيات التي جناها الجميع من وراء هذه القضية، تتمثل في أن الناس بدأت تتعرف على آليات عمل مجلس الشورى، وبدأ الناس يتعرفون كذلك أكثر على النظام الأساسي للحكم، ومنهم كُتاب وشخصيات معروفة لم تكن على اطلاع كامل بالنظام، رغم أنه يعد نظاما دستوريا حاكما.

ولم يفت عضو الشورى العواد أن يسجل استغرابه تجاه من يريد تقويض ممارسة برلمانية، كان يفترض أن تقابل بنوع من الاحتفاء، معيدا إلى الأذهان عجز الكونجرس الأميركي عن تمرير مشروع نظام يمنع حمل السلاح، رغم أهمية الموضوع.

وعن الأصوات التي شككت في وطنية الرافضين لتمرير مشروع الوحدة الوطنية، علق العواد بقوله: "من يوزع الوطنية وصك الغفران الوطني وفقا لمزاجه هذه مشكلته.. فالإنسان الواثق من نفسه لا يأبه بذلك، لا سيما وأنه أقسم بالله أمام ولي الأمر على الإخلاص للدين ثم المليك والوطن".

وخلص إلى القول "هذا الحراك الثقافي حتى في بعض عواره ربما يدفع إلى مزيد من التفكير بماذا تعني الوطنية وما مفهومها.. وفي تصوري نحن نحتاج إلى إعادة النظر في مفهوم الوطنية والمواطنة".

من جهته، قال عضو مجلس الشورى صالح العفالق، إنه متفاجئ من حجم الهجمة الإعلامية التي يواجهها مجلس الشورى، داعيا إلى احترام الأغلبية وفق مبادئ الديموقراطية وعدم السقوط في الفخ.

وقال لـ"الوطن"، على الرغم من أنني كنت أتمنى أن يعبر مشروع الوحدة الوطنية مرحلة الملاءمة، إلا أنني الآن مع قرار المجلس لأني عضو فيه، وملتزم بقرار الأغلبية، داعيا الطرف الآخر للقبول بالنتيجة بكل صدر رحب، مؤكدا أن نجاح المشروع من عدمه ليست نهاية الدنيا. ووصف العفالق الهجمة التي تواجه الشورى بـ"غير المبررة"، وقال إنه طغى عليها عامل "الدرعمة" من قبل البعض، مبينا أن المجلس تم اختياره بثقة ملكية، وهو يمثل طوائف المجتمع بكل أشكاله ومكوناته وتخصصاته ومناطقه وفئاته.

وأشار العفالق إلى أن مبادرة زملائه بطرح موضوع الوحدة الوطنية في هذا التوقيت محل احترام كبير، ولكن القانونيين والمتخصصين في الأنظمة الذين داخلوا في وقت عرضه على الملاءمة، رجحوا كفة العقل على القلب.




مآخذ تسعة على المشروع المسقط.. وابن داود ينبري لتفنيدها

أكد أن مقدميه ليسوا على مذهب مخالف لمذهب الدولة السائد.. وقال إن السكوت هو الرد على من شكك في نواياهم


الرياض: الوطن

سجل عضو مجلس الشورى الدكتور ناصر بن زيد بن داود تحفظه واعتراضه على جملة من المخاوف التي ساقها البعض تجاه مشروع حماية الوحدة الوطنية، وفيما يلي سرد للمخاوف، وتفنيد ابن داود لها.

المأخذ الأول: القضية ليست أن أقلية تريد فرض رأيها على أكثرية، أو أن طائفة معينة تستغل أحداثا لتطالب ما هو أكثر من حجمها بل لأن النظام الأساسي للحكم في المملكة يحتكم إلى الإسلام وليس للمذهب كما هو الحال في بعض الدول المجاورة كإيران.

تفنيد 1

المشروع أول من قدمه الدكتور زهير الحارثي قبل ست سنوات أي قبل أحداث الدالوة والقديح والدمام، فأين دور الأقلية والمذهب وقت تقديم المشروع، وهل الدكتور زهير، والدكتور عبدالعزيز العطيشان، والدكتور سعد مارق، والدكتور يحيى الصمعان على مذهب مخالف لمذهب الدولة السائد؟.

وإذا علمنا أن النظام الأساسي للحكم يحتكم إلى الإسلام فأين وجه المخالفة لأحكام الإسلام في المشروع لتكون هي القضية ؟.

المأخذ الثاني: القول إن هناك سبع مواد في النظام الأساسي للحكم تغطي ما جاء في مقترح مشروع حماية الوحدة الوطنية ثم العودة بالقول إن هناك موادا من الاتفاقات الدولية ضمن المقترح المقدم سجلت المملكة تحفظها عليها.

تفنيد 2

إذا كانت المواد السبع من نظام الحكم تغطي ما جاء في المشروع فكيف تتحفظ المملكة عليها ولم توقع على الاتفاقات الدولية بشأنها ؟.

المأخذ الثالث: الدول العربية والإسلامية لا توجد فيها أنظمة خاصة بالوحدة الوطنية.

تفنيد 3

وليس فيها نظام أساسي للحكم كذلك، فهل يقدح صاحب هذا القول في النظام الأساسي للحكم بهذا المنظور ؟.

المأخذ الرابع: يقول البعض إن وضع قانون سيضيق على الناس وسيحاسبهم على كل ما يصدر من أقوال وأفعال وإن لم تكن مقصودة. وفيه تضييق على الحريات، وأنه لا يدعو بهذا الطرح إلى فشو الكراهية والتمييز بين الطوائف، لأن هناك قوانين تحاسبهم.

تفنيد 4

وصاحب هذا القول يرفض المشروع خوف المحاسبة، ثم يقرر أن هناك أنظمة موجودة للمحاسبة، وما دام أن الشيء الذي أخافه ليس جديدا، فما الذي يخيفه والحالة هذه من المشروع ؟.

ثم إن المحاسبة هي السبيل للوقاية من الوقوع في الأخطاء المتعدية على حقوق الآخرين، فليحاسب المتجاوز حتى لا يعود لتعديه على غيره.

ولينعم المسالم بالأمن على حقوقه من تجاوزات المستهترين، حتى يؤدي واجباته طيبة بها نفسه.

المأخذ الخامس: يطالب النظام المقدم بعدم التمييز في الحقوق والواجبات على أساس الجنس، وفي هذا تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ونظام الأحوال الشخصية، بمعنى منح الجنسين نفس الحقوق في كل شيء، وذلك يلغي أحكام الإرث والزواج والعدة والنفقة وتعدد الزوجات.

تفنيد 5

المادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم ونصها "يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية". أليس ختم الجملة بشرط موافقة الشريعة الإسلامية كافيا لسد ذريعة التعارض المزعومة ؟.

المأخذ السادس: يخشى البعض من الاعتراف بالمذهب الشيعي والصوفي، حتى لا يكون لهم تمثيل في هيئة كبار العلماء، وحتى لا يمارسوا شعائرهم في الحرمين، معللين ذلك بأنه "سيسبب إشكالا مجتمعيا كبيرا نحن في غنى عنه اليوم".

تفنيد 6

وهل تمثيل كل الجماعات والمذاهب والفرق حق لهم واجب على الدولة تحقيقه ؟.

وهل تمثيل الفرقة أو الجماعة أو المذهب سيغير من موازين القرار إذا كان صدوره بالأغلبية لا بالإجماع ؟.

وهل يعلم البعض أن قرارات هيئة كبار العلماء في حال الاختلاف متروك حسمها لولي الأمر كما في عقوبات حد الحرابة؟.

وهل يعلمون كذلك أن كثيرا من قرارات الهيئة تكون بالأغلبية المطلقة منذ إنشائها مما يعني ألا خوف عليها من مخالفة عضو هنا وهناك؟.

وهل يجهل أصحاب ذلك الطرح أن أمور العبادات متروكة للناس فيما بينهم بحسب معتقداتهم، وتبقى مجامع الناس العامة لمذهب الدولة الرسمي وما يقرره ولاة الأمر، كما في الحديث الصحيح "يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ".

وهذا القول يؤكد وجود نزعة التصنيف المذهبي والطائفي فيما يقوله أصحاب ذلك الطرح، الذي لأجله اقترحنا المشروع، وبسببه قرر خادم الحرمين الشريفين رفضه التام له إدراكا لمخاطره على اللحمة الوطنية ؟.

المأخذ السابع: يخشى البعض من عبارة "عدم التمييز على أساس الفكر" أنها تؤسس للاعتراف بالملاحدة والأفكار المخالفة للإسلام.

تفنيد 7

ما رأي صاحب هذا القول في ختم المادة بعبارة "وفق الشريعة الإسلامية" وهل سيبقى لمخاوفه مكان؟، وللعلم: فإن التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية تكرر في النظام الأساسي للحكم ثماني مرات، وأخص بالذكر المادة الثامنة سالفة الذكر؟.

المأخذ الثامن: يجادل البعض بخوفه من فضفاضية مصطلح التمييز.

تفنيد 8

وهل لجأنا للمشروع المقترح إلا لإزالة تلك الفضفاضية ؟.

تفنيد 9

المأخذ التاسع: شكك البعض في نوايا المطالبين وأنها غير صادقة كعادة المصادرين للآراء.

وهنا لا جواب، فالسكوت هنا خير.

ويختم عضو مجلس الشورى الدكتور ناصر بن داود، تفنيده للمآخذ التي أثارها البعض، بتنويهه إلى أن اعتراض المعترضين كان على ملاءمة دراسة المشروع، وليس على مضامينه التي لا يصوت عليها إلا بعد اجتياز مرحلة الملاءمة ومرحلة الدراسة المستفيضة. وأضاف "إذن القوم لم يعترضوا على المضامين القابلة للتعديل والحذف والإضافة في مرحلة الدراسة، بل اعترضوا على فكرة المشروع من حيث الأصل في فترة الملاءمة، وما يبررون به ما هو إلا تلمس للعذر من الإطاحة بالمشروع من دون دراسة ولا تمحيص".

كما علق بقوله: إن وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية والمهاجرة تعج بالمقالات من المعارضين للمشروع والموافقين له وفيها من كيل التهم ما يؤسف لمثله، وهل هذا إلا دليل على حاجة القوم للنظام الذي يلم شتاتهم ويحدد لكل منهم ما له وما عليه عند التعرض لبعضهم البعض.

إن هدف المشروع كفالة احترام كل منا للآخر وإن اختلفت رؤاهم ووجهات نظرهم، وصدق الله العظيم " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ  إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ".