كلما اقتربنا من انتهاء مهلة 30 يونيو للمفاوضات الجارية بين النظام الإيراني وبين دول مجموعة 5+1، برزت المآرب الحقيقية للملالي من مشاريعه النووية إضافة إلى المآزق الناجمة عنها بالنسبة للنظام. في كلمته ألقاها يوم 23 يونيو الحالي، أكد خامنئي الولي الفقيه للملالي بقوة، لمسؤولين في نظامه، رفضه الصارم لـ"تفتيش المرافق العسكرية والتحقيق مع شخصيات إيرانية" قائلا: "خلافا للتصريحات الأميركية نحن لا نقبل بقيود بعيدة المدى لعشر سنوات أو 12 سنة.." وأضاف مشددا: "العقوبات الاقتصادية والمالية والمصرفية سواء أكانت موضوعة من قبل مجلس الأمن، أو الكونجرس الأميركي أو من قبل الإدارة الأميركية يجب أن تلغى وترفع فورا عند التوقيع على الاتفاق.. فيجب ألا يشترط رفع العقوبات بتنفيذ إيران التزاماتها".

هذه الخطوط الحمراء الثلاثة تثبت وتؤكد مرة أخرى ما أعلنته المقاومة الإيرانية وظلت تكرره منذ عام 1991 بأنه ليست هناك غاية لدى النظام الإيراني من مشروعه النووي سوى الحصول على القنبلة الذرية، حيث إن جميع المعطيات والمعلومات التي ظهرت بعد ذلك أيدت وأثبتت هذه الحقيقة. كما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 29 مايو 2015 بأن تحرياتها حول "الأوجه العسكرية المحتملة" للمشاريع النووية الإيرانية، قد توقفت ووصلت إلى طريق مسدود بسبب عدم تعاون النظام الإيراني معها.

وفي 18 أبريل أكد كل من نائب القائد العام لقوات الحرس للنظام وكذلك أحد كبار قادتها يوم 30 مايو: بأننا سنرد على طلب زيارة المفتشين الدوليين للمرافق العسكرية بـ"الرصاص اللاهب" وأن قوات الحرس سوف تلقي القبض على المفتشين بصفتهم "جواسيس".

من جهة أخرى، كشفت المقاومة الإيرانية يوم 28 مايو النقاب عن التعاون الواسع بين النظام الإيراني وكوريا الشمالية قبل فترة وجيزة جدا، وكذلك تبادل الزيارات من قبل المعنيين في الملفين النووي والصاروخي لدى البلدين. كما أن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تؤكد أن نظام الملالي يواصل صفقاته مع شبكات التهريب النشطة من أجل ابتياع تقنيات التخصيب والطرادات المركزية المحظورة في السوق السوداء.

الجهة التي أفشلت مسعى النظام حتى يومنا هذا للحصول على القنبلة الذرية، هي المقاومة الإيرانية. كتب روحاني الرئيس الحالي لنظام الملالي في كتاب ألفه بعنوان "الأمن القومي والدبلوماسية النووية" وتم نشره عام 2012 : "كانت منظمة الطاقة الذرية (الإيرانية) ترى أنه يجب إكمال منشآت موقع (نطنز) النووية أولا ثم إشعار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الموقع لجعلها أمام أمر واقع بحيث لا تستطيع الضجة التي سيثيرها الغرب حوله، تحول دون تحقيق الهدف الذي نبتغيه.. وكانت المنظمة قد وعدت القيادة بأنها سوف تنتج 30 طنا من اليورانيوم المخضب بنسبة 3.5% بحلول عام 2003 وذلك بتشغيل 54 ألف جهاز طراد مركزي، غير أن منظمة مجاهدي خلق في عام 2002، عقدت مؤتمرا صحفيا (لكشف النقاب عن موقعي نطنز وأراك النوويين) وأثارت ضجة كبرى وانهالت علينا بتهم واهية...".

ما ورد في هذا الكتاب، إنما هو اعتراف صارخ بأن النظام الإيراني كان ينوي فرض نفسه على المجتمع الدولي كقوة نووية من خلال انتهاج سياسة أمر واقع.

من جهة أخرى، فإن خامنئي قد ربط مصير نفسه ومصير نظامه بالقنبلة الذرية، وبذلك جعل نظامه أمام مفترق طرق: إما الاستمرار بالمشروع النووي الخاص بالقنبلة النووية وتشديد العقوبات والمواجهة مع المجتمع الدولي، أو التخلي عن القنبلة النووية والمضي قدما في منحدر انهيار نظام ولاية الفقيه.

إن الأسلوب الرئيسي الذي ينتهجه النظام خلال المفاوضات أي المماطلة وكسب الوقت وجعل المجتمع الدولي أمام أمر واقع، هو ناجم عن هذا المأزق ومفترق الطرق القاتل بالنسبة للنظام.

العامل الذي يفسح المجال للنظام لتمرير سياسته هذه هو السياسة الضعيفة للغاية للإدارة الأميركية والتي ربطت السياسة الخارجية الأميركية بصورة مدهشة بتحقيق اتفاق مع النظام الإيراني. النظام الإيراني يؤكد في أوساطه الداخلية بأن "أوباما وكيري يشكلان فرصة تاريخية لنظام الجمهورية الإسلامية".

نظام الملالي وبأسلوب الدجل المعهود منه يوحى بأن المشروع النووي وجل القضايا الناجمة عنه، كأنه دفاع عن حق السيادة الإيرانية ويحظى بدعم شعبي في الداخل.. بينما هو كذبة كبرى، لأن الشارع الإيراني ينظر للمشاريع النووية على أنها من أكثر المشاريع اللاوطنية التي عانى وسيظل يعاني الشعب الإيراني من تداعياتها المشؤومة لعقود متتالية.

إن التجمع الكبير للإيرانيين في 13 يونيو 2015 الذي أقيم في باريس قدم نموذجا من المجتمع الإيراني ومثالا عن الرغبة الجماهيرية للشارع الإيراني، حيث أكد فيه الحشد المشارك وبصوت واحد أنهم يرفضون بشدة المشاريع النووية للنظام الإيراني جملة وتفصيلا، مطالبين بتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والرامية إلى منع النظام الإيراني من الحصول على القنبلة النووية. وأنهم أعلنوا دعمهم الكامل للرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي التي تؤكد في برنامجها لعشر مواد أنها تدعو إلى إيران غير نووية. كما وأن أكثر من 600 شخصية سياسية بارزة من الولايات المتحدة الأميركية ومن أوروبا ومن الشرق الأوسط أعلنوا دعمهم لمشروع البرنامج المقدم من قبل السيدة رجوي وطالبوا بتطبيق قرارات مجلس الأمن وإجراء تفتيش بلا شروط وقيود لجميع المرافق العسكرية والمدنية في إيران.

ثانيا: في الموازنة الراهنة، خاصة بالنظر إلى المواقف المختلفة نسبيا من قبل الدول الأوروبية في المفاوضات، فإنه باستطاعة دول المنطقة قطع السبيل على عقد اتفاق سيئ يترك المجال مفتوحا أمام النظام الإيراني ليصبح قوة نووية.