أمام المال يتلاشى كثير من القيم في المجتمعات، وما يُخشى اليوم هو اندثار قيم التسامح والعفو والصفح في مجتمعنا أمام ملايين الريالات التي تُشترط مقابل التنازل عن بعض أبنائنا المحكومين بالقصاص.

خلال شهر واحد فقط تداولت وسائل التواصل الاجتماعي ثلاثة حسابات بنكية تشرف عليها بعض إمارات المناطق لصالح جمع ديات يصل مجموعها إلى 100 مليون ريال مشروطة من قبل أولياء الدم مقابل التنازل على ثلاثة أشخاص محكومين بالقصاص.

كان تفاعل المواطنين جميلا مع هذه الأعمال التي تهدف إلى إنقاذ حياة أشخاص يترقبون الموت مع إشراقة كل صباح، وكم أسعد هذا التفاعل الإنساني أُمّا ثكلى سفعاء الخدين، جفت عينيها من كثرة البكاء، وأعاد الأمل إلى أيتام كانت ستتقاذفهم أمواج الحياة.

الصورة الجميلة في الأمر هي الإسهام في إنقاذ حياة إنسان عملا بقوله تعالى: "ومن أحياها فكأنما أحياء الناس جميعا"، ولكن ما ليس بجميل هي الصورة الأخرى المتمثلة في المبالغة الكبيرة في طلب الديات التي وصلت إلى أرقام خيالية لا يمكن جمعها إلا بشق الأنفس.

هذه المبالغات التي حولت العفو إلى متاجرة، وقتلت روح التسامح والعفو في المجتمع، أجبرت أسرة السجين إلى إراقة ماء الوجه والتسول لجمع هذه المبالغ الخيالية، بل إن فاعلي الخير أنفسهم الذين كانوا يتسابقون لعتق الرقاب أصبحوا عاجزين عن مواجهة هذه الأرقام المتزايدة التي يطالب بها بعض أولياء الدم، فالأمر فوق طاقتهم، ولسوف يأتي اليوم الذي لا يستطيع أحد أن يسهم في إنقاذ حياة أحد المحكومين بالقصاص بعد أن تحول الأمر إلى تجارة.

من عهدة الراوي:

إن موافقة بعض الجهات المختصة على فتح حسابات بنكية لجمع مبالغ طائلة كديات تحت إشرافها إجراء جيد من حيث الجانب القانوني لضمان عدم استغلال هذه الأموال في غير ما دفعت له، ولكن من جانب آخر فيه تشجيع بطريقة غير مباشرة على المبالغة في طلب الديات وتضخيم الأرقام بشكل كبير مقابل التنازل، ولذلك من المفترض أن يكون هناك تنظيم واضح وحد أعلى للديات المشروطة التي تشرف تلك الجهات على جمعها للحد من هذه الظاهرة.