قبل حوالي عشر سنوات كان مجرد ذكر كلمات مثل (سني وشيعي) من المحظورات التي لا يجرؤ الكثير من منسوبي وسائل الإعلام المحلية على ذكرها لأي سبب كان.

وبعد الانفجار الفضائي الذي تزامن بشكل "مريب" مع احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية وقبله احتلال العراق نفسه للكويت، أصبح التقسيم الطائفي (سني ـ شيعي) من أهم مصطلحات الإعلام العربي، الذي يتشبث بأطراف ثياب الإعلام الغربي "المتلون"، فيجر العربي صاغرا دون سؤال أو حتى تساؤل.. لماذا نقول هذا؟ ولمصلحة من؟

ولأن النار الطائفية تغلي في النفوس (تحت الرماد وفوقه)، كانت الفرصة الذهبية لخروجها فضائيا، بعدما أصبح افتتاح قناة تلفزيونية أسهل من فتح بقالة (متر في مترين)، بل إن الأمر أشبه بمن يجلس في أقصى مقهى شعبي ينادي على عامل المقهى (لو سمحت.. ثلاثة سني وأربعة شيعي، وزود السكر شوي). فتحول "الجهاد والاحتساب" ضد الآخر (الطائفي) من خطب الحسينيات والمساجد إلى شتائم دينية فضائية، تؤسس بجمع تبرعات "خيرية وزكوات" مؤسسية وفردية.. فلا تستغرب إن وجدت من يقف أمام الناس ويطالبهم بدعم قناته التي تتبنى "الدفاع عن الطائفة المنصورة".

ولأن نهازو الفرص في عالمنا العربي والإسلامي كثر، والمساهمات العقارية و"أسهم الخير" انكشف مستورها وافتضح أمرها، فإن هذه الفرصة لم تفتهم، فمن أراد جمع المال والعيش في رغد، لبس رداء الطائفة، وسخر المسابقات ورسائل sms لجيبه.. عفوا أقصد "للدفاع عن الطائفة".

لننظر ماذا تفعل في الفضاء أكثر من 150 قناة طائفية ـ حسب دراسة حديثة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة ـ تتقمص أردية "آل البيت" أو "الدفاع عن السنة". فليت الأمر يقتصر على توضيح وجهة نظر كل طرف في القضايا الدينية والاعتقاد المذهبي، ولكن الخطر القادم أن لغة الخطاب المتبادل لا تتورع عن الدعوة إلى نفي الآخر وربما قتله بـ"فتوى طائرة". وقد بدأت فعلا ساحات التنفيذ الفعلي لهذه الفتاوى في العراق ولبنان، والقادم أكثر قتامة وأهوالا، إن بقي هذا الصمت السياسي العربي المثير للتساؤل تجاه تلك القنوات، فلا أحد يذكرها ولو بشكل عابر في مؤتمرات وندوات الإعلام العربي، ولم تنبس الجهة المختصة في الجامعة العربية بكلمة واحدة حول هذا الصراع الطائفي الفضائي، وكأن الجميع راض بما يحصل!.. فمن يعلق الجرس؟