يوما بعد آخر، يتضح حجم المأساة التي تعيشها مدينة عدن، جراء الحرب العشوائية والتدميرية التي تشنها القوات الحوثية المتحالفة مع فلول الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في التمرد على الشرعية الدستورية في البلاد، واندلاع للمعارك التي حولت شوارعها الرئيسة والميادين إلى ساحة حرب ضروس، ومبانيها وأحيائها السكنية إلى أهداف حربية، ما أدى إلى مقتل المئات من المدنين وانتشار للأمراض والأوبئة القاتلة في المدينة، نتيجة لتدهور الأوضاع وتوقف خدمات الصرف الصحي، وانتشار الجثث في شوارع المدينة. ويؤكد عاملون في الهلال الأحمر اليمني أنهم تمكنوا منذ بداية الحرب من انتشال أكثر من 400 جثة من شوارع وطرقات المدينة المحاصرة، وكذلك إسعاف المئات من الجرحى من الأحياء السكنية.

ووفقا لرئيس الفريق الطبي للهلال الأحمر اليمني، عبدالناصر البركاني، فإن أطقم الجمعية تسعى إلى تقديم خدماتها لكل الأطراف المتضررة من الصراع الذي تشهده المدينة، وأنهم يعملون وفق تنسيق مع جميع الجهات العسكرية في المدينة، وأن الجمعية لا تمثل أي طرف في هذه الحرب، ويرتكز عملها فقط على الجانب الإنساني، رغم أن أطقم الإسعاف التابعة للهلال الأحمر اليمني تعرضت إلى عدد من الاعتداءات من الميليشيات الحوثية، ما أسفر عن مقتل اثنين من طاقهما في أبريل الماضي.

في غضون ذلك، جددت ميليشيات الحوثي وصالح فجر أمس اعتداءاتها على المدنيين، حينما استهدفت بالصواريخ العشوائية أحياء المدنيين في عدن، ما أسفر عن مقتل ستة مدنيين وجرح سبعة آخرين. وقالت مصادر طبية في مستشفى الوالي بعدن إن الحوثيين استهدفوا روضة للأطفال بحي الإنشاءات شمال مدينة المنصورة، التي يستخدمها كثير من العائلات ملجأ جراء تدمر منازلها، وأن من بين الضحايا أفراد أسرة كاملة بينهم أطفال. وناشد الأطباء في المستشفى الذي نقلت إليه الإصابات العالم سرعة التدخل لإيقاف المجازر التي ترتكبها الميليشيات الحوثية وقوات صالح بشكل يومي بحق المدنيين العزل في عدن. وكان القصف طال أمس مناطق المنصورة والتنقية والشيخ عثمان.

وضمن مساعيها إلى خنق المدينة عمدت الميليشيات الحوثية إلى استحداث مزيد من الحواجز الأمنية والعسكرية لمنع دخول وخروج المدنيين منها، حيث نصبت حاجزا جديدا في منطقة "الرابط" و"صبر" الواقعة بين عدن ومحافظة لحج، لمنع حركة الدخول والخروج من عدن، في مسعى قال عنه المسافرون أنه يهدف إلى ابتزازهم وكذلك لمنع إدخال أي مساعدات غذائية أو طبية للمدينة، وكذلك لمنع وصول أي تعزيزات إلى مقاتلي المقاومة في المدينة المحاصرة.

أما في مدينة "شقرة" الساحلية بمحافظة أبين الجنوبية، فقالت المقاومة إنها تمكنت من تفجير عبوة ناسفة وسط موكب للمتمردين، ما أسفر عن مقتل وجرح كثير منهم، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن المقاومة في المناطق الوسطى خسرت خلال مواجهات اليومين الماضية نحو تسعة من أفرادها، في الوقت الذي يستمر العشرات من مقاتليها في دعم جبهات القتال في شمال عدن.

ويقول المحلل السياسي ناجي السامعي إن المتمردين الحوثيين يركزون اعتداءاتهم على اليمنيين في عدن لتحقيق أهداف عدة، أولها ضرب المدينة التي مثلت عقب اجتياح العاصمة صنعاء رمزا للشرعية، عندما استقر بها الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي واتخذ منها عاصمة موقتة للبلاد، كما يريد المتمردون من اعتداءاتهم على عدن الانتقام من المقاومة الشعبية التي ألحقت بهم خسائر كبيرة. وأضاف في تصريحات إلى "الوطن": "اعتداءات الحوثيين على عدن تحمل بعدا نفسيا آخر هو حقدهم عليها بوصفها مدينة الثقافة والعلم والحضارة، وهو ما تفتقر إليه هذه الجماعة التي ليس لها أدنى علاقة بالثقافة، وسائر أتباعها من الجهلاء الذين لم يكن لهم حظ من التعليم، لذلك صبوا جام غضبهم عليها. وما لم يتدخل المجتمع الدولي لكف أيدي هؤلاء العابثين فلن يتوقفوا عن اعتداءاتهم".