قدم المؤلف محمد سليمان الفكي الشاذلي للمكتبة العربية روايته التي حملت عنوان "معاون الخليفة الذي طعنته سبية يزيدية".

وعلى الرغم من الاندفاع الواضح منذ سطورها الأولى والزج بالقارئ في أحداثها الملتهبة، ما يوضح أن لدى مؤلفها كثير من السرد والحكايا، إلا أنه وعلى الرغم ما يفسر بأنه تشويق، جعلنا نتوقف أمام عنوان الرواية كمدخل لمحاولة الفهم والتحليل، فهو يحمل جوانب عدة متباينة، وهو أيضا يولد تساؤلات عدة، لأنه دون شك كشف لنا جوهر أو جانب مهم من عمل ضخم حوى على 484 صفحة بالتمام والكمال، وهنا نتساءل هل تخلى الشاذلي عن حبكة لطالما تنادى بها المؤلفون وهي شد فضول القارئ وتشويقه؟ لأن العنوان منحنا معلومة تبين أننا أمام حدث رئيس تقوم خلاله فتاة يزيدية بطعن إرهابي في أعلى الهرم الإداري لمنظمة ظلامية وهو معاون الخليفة، ولا يوجد لدينا أي دافع للتساؤل عن أسباب إقدام هذه الفتاة على فعلتها فمعظمنا سيدرك أنها تنافح عن عفتها، ولكننا بهذا العنوان نتوجه نحو تساؤلات عدة لما هو أوسع وأكبر، كيف تمكنت من طعنه وهو واحد من أهم رموز هذا التنظيم الإرهابي؟ وفي أي موضع تلقى الطعنة وكيف؟ وبعد هذه الطعنة، هل قتلته أم نجا من الموت؟ وإذا كان لا زال على قيد الحياة، كيف تعامل مع هذه الفتاة؟ نحن أمام تساؤلات تستحق التمعن ولدها العنوان فقط.

وإذا كنا ننظر لهذا المنجز من مدخله وما تم عنونته به، فهل كانت 484 صفحة تضم قصة طويلة وظيفتها الوحيدة الإجابة على تساؤلات نبعت من العنوان، أحسب أنه بمجرد أن يتبادر للذهن هذا الظن، تكون هذه الرواية الملحمية تلقت ضربة قاسية وتم التقليل من رسالتها، ولا يتحمل مثل هذه الضربة غير المبررة سوى مؤلفها الذي اختار لها الاسم.

لكن لنعود للرواية، حيث نجد المؤلف الشاذلي يأخذنا في رحلة نحو البذور الأولى لهذا التنظيم الإرهابي، ولكنه ابتكر الوسيلة والطريقة الملائمة لمثل هذه المسيرة وهي ذاكرة معاون الخليفة الطموح "سامي حمدان" حيث جعله البوصلة أو المرشد، من خلال وجود الرئيس الوحيد، فمن خلاله نسمع سرد ذكريات شاب عاش في أوروبا ومبايعته للخليفة المزعوم، وصولا لمعارك ضارية وطويلة، مرورا على كثير من الأحداث والشعارات، وكان واضحا أن مواضيع سفك الدماء وظلم الناس فضلا عن سبي النساء تشكل الهرم الرئيس الذي تقوم عليه حبكة الرواية، فأنت لست أمام منجز ينشغل بالأفكار، أو يتوجه نحو عمق الانحراف الإنساني الذي حدث أو كيف تشوهت القيم النبيلة، أو كيف وصلت في هذا القرن الحديث المتوهج بالتطور، ثلة تعيش خارج الحضارة وبعيدة عن أنوار المدنية، الرواية التي بين يدينا تتحدث عن القتل والرايات السوداء وعن الحروب والخطف وحوارات في جوانب منها إيحاءات جنسية، وأخرى محملة بالقسوة وأيضا الجهل، وهي مواضيع لا جديد فيها ففي كل يوم نسمعها على مختلف وسائل الإعلام وباتت أنباء متواترة عن تنظيم إرهابي متطرف، لكننا وعلى رغم هذا نجد المؤلف واضح جدا مع القارئ منذ عنوانه وحتى آخر سطر من الرواية، ففي نهاية المطاف نجد إجابة على تساؤلاتنا عن الفتاة اليزيدية "كاجين" فقد طعنت معاون الخليفة بالفعل، وليته كان الخليفة بنفسه، وليس معاونه!، ولكن الجديد أنها فرت من الأسر، وهو الذي لم يذكره المؤلف في عنوانه!!.

رغم توقفي كثيرا واصفا لهذا العنوان، إلا أنني أسجل الإعجاب والتقدير لكثير من الجوانب الإبداعية، يجب علينا أن لا نغفل عن وضوح الألم الذي ظهر جليا بين سطور هذا المنجز، فلا يمكننا أن نتجاهل كل هذه الشفافية التي رسمت حروفه الحزينة، كما أننا لا نستطيع تجاوز المهارة التي تمتع بها المؤلف في تنقلاته من حدث لآخر ومن مرحلة حياتية من ذاكرة "سامي حمدان" لمرحلة أخرى مختلفة دون خلل أو تشتيت للقارئ أو تفكيك لترابط الأفكار، مهارة رافقتها لغة قوية ومفردات غزيرة، جعلتنا أمام منجز يستحق التأمل والتوقف.

من المؤكد أن محنة هذا التنظيم الإرهابي ستكون موضوعا رئيسا لكثير من المنجزات الروائية خلال هذه الحقبة، لأن ما أحدثته هذه الثلة الإجرامية تجاوز وصفه بالمؤلم وستبقى ذكرى حزينة في قلب كل إنسان.