تنقسم النظرية الأخلاقية المعاصرة، المعروفة أيضا بالفلسفة الأخلاقية التحليلية، إلى نظرية من الدرجة الأولى تستهدف مضمون الأخلاق، ونظرية من الدرجة الثانية تستهدف التشريع أو الوضع الأخلاقي. تسمى الأولى أيضا بـ"الأخلاق المعيارية"، وتطالبنا بالمبادئ العامة لمعرفة فيما إذا كان الفعل خطأ أم صوابا، جيدا أو سيئا، في حين تخبرنا الثانية عما نقوم به عندما نصدر أحكامنا الأخلاقية على الآخرين. في هذا الإطار ظهرت العديد من النظريات، سواء من الدرجة الأولى مثل: نظرية علم الأخلاق أو الواجبات déontologisme" contractualism" وهي فلسفة سياسية تؤكد على أن المجتمع السياسي يجب أن يستند إلى معاهدة بين أعضائها، النفعية، القاعدة النفعية، وعلم الفضيلة... إلخ. نظريات الدرجة الثانية، مثل: الذاتانية وهو مذهب فلسفي يقيم المعرفة على أساس الخبرة الذاتية، المذهب الطبيعي وهي نظرية الذين يعتبرون الطبيعة المبدأ الأول، الواقعية، شبه الواقعية، البنائية... إلخ.

ترجم من الإنكليزية إلى الفرنسية كتاب بعنوان " Natural Goodness" أو " Le Bien naturel" باللغة الفرنسية أي "الفطرة أو الطبيعة السليمة " للفيلسوفة البريطانية فيليبا فووت، الذي يقدم لنا نهجا مختلفا إلى حد ما في الفلسفة الأخلاقية كما يرى فنسنت بوير، أستاذ الفلسفة في جامعة دو نانت الفرنسية. لكن ما تعريف "الفطرة السليمة"؟ تقدم لنا فيليبا حجة قوية للغاية حول عملية التقييم الأخلاقي للأعمال الإنسانية. وبعبارة أخرى لا يتغير معنى الصفات "الجيدة" و"السيئة" عند استخدامها لوصف إرادة الإنسان بالقول مثلا: إرادة جيدة أو سيئة أو حتى عند وصف جذور شجرة البلوط، فعندما نقول جذورها جيدة أي قوية وعميقة. وإذا كانت الطيبة أو "الخيرية" تسمى "طبيعة أو فطرة" بالمعنى الأصلي أو الجوهري للكائن الحي سواء كان إنسانا أو شجرة بلوط، بالتالي نحتاج إلى معرفة السمات الرئيسية لكل كائن. والطبيعة السليمة، أي التي لم تُشَب بعَيْب، أو ما ركَّزه الله في الإنسان من قدرة على معرفة الإيمان، وتعريف الفِطرة السليمة (في اصطلاح الفلاسفة) هو: الاستعداد لإصابة الحكم والتمييز بين الحق والباطل. وقيل بأن الفطرة هي من أدق وسائل الكشف عن الخطأ، فكل أخطاء الإنسان تكشف ذاتياً من خلال فطرته، ففطرته مشعر ذاتي، وميزان نفسي، على سبيل المثال: إذا عاش إنسان مع أمه في غابة، ولم يتلقَ أي توجيه، أو علم، وكانا جائعين فأكل وحده، ولم يطعم أمه، سيشعر أنه أخطأ بحقها بدافع من فطرته السليمة، إذن الخير هو ما اطمأنت إليه النفس.

من وجهة نظر فيليبا، فإن الفطرة السليمة أو خيرية إرادة الإنسان تتخذ صورة الفضيلة، بما في ذلك الفضائل الأربع التي تسمى "الكاردينال" أو الأساس، وهي: الشجاعة، الاعتدال في الأهواء والشهوات، العدالة والتعقل. مثال على فضيلة الشجاعة: عندما رفض بعض الشبان الألمان اتباع النظام النازي ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك.

لقد فطن الناس للقيم الأخلاقية منذ أقدم العصور، ولمسوا أثر وجودها في حياتهم اليومية، شعروا بأن لهذا الوجود ميزات فريدة؛ لذا نظر فلاسفة الأخلاق إلى الحياة الإنسانية على أنها كفاح مستمر ضد الشر وبحث دائم عن الخير. ويأتي الخير لغويا بمعنى الفضل والكرم والشرف والأصل والطبيعة، أما الكلمة الإنجليزية "Good" ونظيرتها الفرنسية "Bien" فهما يتصلان بالفعل الألماني "gut" الذي يطلق على كل ما يحقق هدفا.

رأى البعض أن "الخيرية" تطلق على ما يتصف به كل موجود من الكمال، فكل كائن ينزع بطبعه إلى كماله الذي هو خيرية هويته، فإذا أطلقت الخيرية على الإنسان كصفة دلت على من يحب الخير ويفعله، أو على من يشعر بآلام الآخرين ويرغب في تحقيق سعادتهم، و"الخيرية" بهذا المعنى مرادفة للصلاح والطيبة والمنفعة.

يمكن أن توصف الحياة الخيرة من الناحية الأخلاقية بأنها شرط للسعادة؛ لذا تربط فيليبا في كتابها بين الفضيلة والسعادة إذا اعتبرنا أن السعادة هي الخير الأسمى للإنسانية، يفترض أن تكون النهاية الأخيرة لجميع الأعمال البشرية و"الخير الأسمى" تمثل القانون الإلهي.

 منذ القدم، تساءل الفلاسفة: هل للخير وجود موضوعي مطلق؟ هل هناك "خير" بالمعنى العام، أم هو دائماً نسبي تبعاً لرضا فرد معين وتفضيله وفي حال غضبه تنزع صفة الخيرية الفرد الآخر؟ هل نستطيع إصدار أحكام تقويمية شاملة تسري على كل البشر في كل مكان؟ وهل هناك شيء ينعقد إجماع الناس على وصفه بـ"الخير" بغض النظر عن زمانهم أو مكانهم أو جنسهم أو حضارتهم؟ أم أن لكل شخص في نهاية الأمر نظاما فرديا من القيم؟ بعبارة أخرى، هل القيم خاصية تنتمي إلى الشيء ذاته أو نحن الذين نضفي هذه القيم على الأشياء؟

تقوم فلسفة الأخلاق عند الفيلسوف (كانط) على العقل وحده مادام هو مصدر الإلزام الخلقي، في حين يرى (جان جاك روسو) أن الإنسان يولد خّيراً خالصاً من الشرور ولا يحوله عن خيره إلا الإنسان الذي يعيش معه والبيئة التي تحتضنه أي المجتمع والحضارة والنظم الاجتماعية، وتقوم الفضيلة عند شوبنهاور على مبدأ الشفقة أو التعاطف أي إنكار الفردية والأنانية. وخلاصة القول: إن الأخلاقيين ذهبوا مذاهب شتى في تصورهم لمبدأ الحياة الأخلاقية والخير الأخلاقي.

"عندما كان أبي، رحمه الله، لا يزال يعيش بيننا، كنت أشعر وأنا طفلة بأني في المدينة الفاضلة التي يسودها الخير دائما، وجميع الناس يحبون الخير ويتمنون السعادة لبعضهم بعضا، وبعد أن غادرت روحه هذه الدنيا، وبدأت مشوار حياتي العلمية والعملية وحدي، وتعرفت على أنواع الأجناس ومختلف الطبقات البشرية، تمنيت كثيرا لو عاد أبي إلى الحياة للحظة واحدة لأقول له: الحياة ليست فاضلة يا أبي، قد يظهر الشر فيها على هيئة ملاك، مع ذلك أحبك وأحب الخيرية التي ربيتنا عليها".