أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه، سيد من سادات قريش. حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية فلم يشربها، كان عالماً بأنساب القبائل وأخبارها. وكانت العرب تلقبه بعالم قريش، كان موصوفاً بالحلم، خطيباً مفوهاً، وشجاعاً بطلاً، كثيراً ما التقى الشعراء ذوي الدعوة الإسلامية، واستحسن شعرهم وتمثله في مناسبات وأحوال. وقد يستغرب البعض أن يكون أبو بكر شاعراً فكيف إذا كان له ديوان. حول هذه التساؤلات قدم الدكتور محمود عبدالمعطي دراسة موضوعية وفنية لا يرقى إليها الشك (على حد تعبيره) أن لأبي بكر شعراً قاله في هذه المناسبة أو تلك. ومن هذا ما نقله أبو زيد القرشي عن المفضل الضبي وهو قوله : لم يبق أحد من أصحاب رسول الله إلا وقد قال الشعر أو تمثل به، فمن ذلك قول أبي بكر يرثي النبي صلى الله عليه وسلم: أجدك ما لعينك لا تنام كأن جفونها فيها كلام ومن ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب وعن الشعبي أنهما قالا: كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة رضي الله عنهم جميعاً. بل إن عدداً من مؤلفي كتب السيرة، أنشدوا أشعاراً له ، وجاء في البيان والتبيين : وعامة أصحاب رسول الله قد قالوا شعراً قليلاً أو كثيراً، سمعوا واستنشدوا. وقال ابن رشيق: فهؤلاء الخلفاء الأربعة ما منهم إلا من قال الشعر، وسئل الحسن البصري: أكان أصحاب رسول الله يمزحون؟ قال نعم ويتقارضون القريض وهو الشعر، وروي عن أنس بن مالك إنه قال: كان أبو بكر الصديق إذا رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: أمين مصطفى للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام، وفي صحيح البخاري ومسند أحمد وغيرهما من الكتب ما يثبت قوله للشعر. فعن عقبة بن الحارث قال: صلى أبو بكر العصر ثم خرج يمشي ومعه علي، فرأى الحسن بن علي يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهاً بعلي. وعلي يضحك، ورغم أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ورد ما يفيد اعتناءها بالأشعار وحفظها فقد نفت الشعر عن والدها برواية عروة بن الزبير أنها كانت تقول: (والله ما قال أبو بكر بيت شعر في جاهلية ولا إسلام قط) قال الرواة لقد قالتها في لحظة ضيق عندما نسبت أبيات لوالدها لم يقلها. الديوان تحتفظ به المكتبة الظاهرية بدمشق وقد حققه محمد شفيق البيطار ونشر مرة أخرى بتحقيق راجي الأسمر في بيروت.