ما إن نستبشر بدخول الشهر الكريم حتى تنسج مخليتنا قيامنا بكثير من أعمال الخير والطاعة، ختم القرآن الكريم، وصلاة التروايح، والصدقة وغيرها، إلا أننا حينما ننظر بعين الناقد لما نفعل نجد أننا نقوم بكل ما سبق بالمقلوب!

ودعنا نتحدث بصراحة عن واقعنا الحقيقي في الشهر الفضيل، فما الفائدة من الانتظام في صلاة التروايح والبحث عن إمام ذي صوت رخيم، والبعض لا يصلي الظهر والعصر إلا جمعاً، بعد أن يخرج وقت الصلاة الواجبة بسبب نومه وتكاسله؟ وما الفائدة من الاستعجال بقراءة القرآن واستهداف ختمه بأية طريقة دون الوقوف وتدبر وفهم آياته واستشعارها؟

ما الفائدة من الصوم عن الطعام والشراب، وألسنتا لا تكف عن النميمة والقيل والقال؟ وما الفائدة من الحديث عن كل تلكم الأخلاق الحميدة من الابتسامة والتسامح وغيرها، ونحن نتجرد منها متى ما تعاملنا مع الآخرين، فلا مساعدة ولا اهتمام ولا حتى ابتسامة عابرة، بل "تكشيرة" متواصلة وسوء في التعامل والأخلاق، فأين شهر الصوم من كل هذا؟

أو لسنا نعيش الشهر فقط بشكل صوري، دون أن يؤثر على حقيقة أنفسنا وعلى جوهر نظرتنا وتعاملنا في الحياة، للأسف يبدو أن الشهر أضحى مجرد موسم لكسر الروتين وتغيير مواعيد الطعام، والقيام ببعض النشاطات الاجتماعية دون أن نحقق الهدف الرئيس من كل هذا.

أعرف أنني قد قسوت كثيراً، ولكنها الحقيقة المرة، فمتى استشعرنا بصدق ما يجب أن نكون عليه، حينها سوف نعلم أننا نعيش رمضان بالمقلوب، والحل أصدقائي ليس صعباً أو مستحيلاً، إذ إنه يكمن لدى كل واحد منا! فقط كل ما يحتاج الأمر هو أن نجتهد في أن نجعل تغيرنا يحدث كما لو كان كتلة واحدة متوافقة، وليس مجرد أفعال متفرقة تنتهي مفاعليها بانتهاء وقتها، فالشهر الكريم فرصة لا تعوض للتغيير والانطلاق من جديد، والله المستعان.