أحسب أني قريب من مكون ثقافي وفني مهم، ومجموعة ممن يديرون فروعه المختلفة أصدقائي، ولي بعض مشاركات معهم ومعه أشرف بها، جمعيات الثقافة والفنون تارة أخرى، تذكرني دائما بالسبّاح الذي يريد بلوغ الشاطئ وهو منهك الجسم، خائر القوى، وبما تبقى من نفس قصير، هذه المكونات الثقافية "بامتياز" لا تزال محجوبة عن الاهتمام، أو أن إرادة معينة –يعلمها الله- تسعى إلى الحدّ من حضورها ونشر أنشطتها؛ ولهذا توصم فعالياتها أحيانا بأنها سطحية أو غير ذات نفع، مع أنّ واحدا من أهم مناشطها هو المسرح الذي ما تزال تصارع من أجل إعادته إلى الحياة في حين من الدهر هي أحوج ما تكون إلى مدّ يد العون والدعم والإغاثة!

تعمل جمعيات الثقافة والفنون في مختلف المناطق على عدة واجهات ثقافية وإبداعية، يتنوع استقطابها للشباب، مواهبهم ونتاجاتهم المغايرة، فيما صندوقها المالي تصفق الأرياح فيه خواء وعوزا، المسرح والتشكيل والمعارض والفنون الشعبية التراثية، والفنون الحديثة، التصوير الضوئي، برامج ودورات التنمية الفنية الموجهة، كل ذلك تُطالب به جمعيات الثقافة وهي بين مطرقة البرامج السنوية، وسندان العوز المالي، وضيق ذات اليد.

على الجانب الآخر، لا تقوم الأندية الأدبية –وأنا كذلك منتم إليها- بعمل يوازي ما تقدمه الجمعيات خاصة على الصعيد الشبابي، بل يقتصر دورها على الفاعليات المنبرية، والأمسيات الشعرية والسردية، وبعضها يعمد إلى شراكات مع المؤسسات الطباعية لرفد حركة النشر، هذه الأنشطة كاملة تشكل "حبة كرز" تنام على كعكة مالية منتفخة، ومدعومة سنويا بمبالغ طائلة هي من أضغاث الأحلام عند جمعيات الفنون، ومما دونه خرط القتاد.

السؤال هنا: أوليست هذه الجمعيات مؤسسات تعترف بها الوزارة بوصفها محضنا فنيا وإبداعيا له قوامه ومقوماته ومخرجاته؟ إذن فلمَ لا تكون المعاملة بالمثل على صعيد الدعم المادي، خاصة والشباب يميلون كثيرا إلى الجمعيات و"يتنفسون عبرها" أكثر من ميلهم إلى الأندية الأدبية التي اتخذت في ممارستها الثقافية صبغة أكاديمية رسمية جافة لا يعيرها "الشبيبة" اهتماما ولا ينجذبون إليها.

إني لأربأ بالمسؤول في وزارتنا الموقرة أن يواكب -في نظرته إلى الجمعيات- تلكم الفكرة "الشعبوية" المتردية التي لا ترى في جمعيات الثقافة والفنون سوى الطبل والزمر والرقص ولا أظنه كذلك، وأرجو أيضا ألا يكون المسمى "جمعية" يقلل من شأن المنجز والعاملين فلا تعطى حقها من السند والتعضيد فيما هي مضطلعة به تجاه الشباب ومكنوناتهم المبدعة، وعليه فليكن مسماها "مراكز الثقافة والفنون" فلعل الوسم الجديد مناط فأل لها حتى تكمل سباحتها ضد التيار محاولة الرسوّ بفنوننا على أي شاطئ.