نلاحظ جميعا ماتقوم به وزارة التربية والتعليم من خطوات واسعة ومتلاحقة نحو تطوير المناهج والارتقاء بالتعليم لمواكبة القفزات الحضارية في العالم من حولنا، حتى يخيل لنا أحيانا أن بعض الخطوات لم تنل حقها من الدراسة قبل التطبيق. فمناهجنا المطورة لن تحقق الفائدة المرجوة منها وهي تدرّس بالطريقة التقليدية وبنفس العقليات التي ما زالت تتمسك بالعدد والزمن التقليديين للحصص، فمنهج العلوم الذي يعتمد على المنهج التجريبي يتوجب وجود معمل متطور يقضي فيه الطلاب جل وقتهم الذي يفترض أن يكون ممتعا، وهذا الأمر غير ممكن في مدارسنا التي تحتوي على معمل واحد في الغالب الأعم ويتناوب عليه طلاب المدرسة بأكملها، وهذا الأمر ينطبق كذلك على اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي الذي يدرس للطلاب بلغة وأجهزة وبرامج قديمة تثير الضحك حتى لدى الطلاب أنفسهم الذين يتعاملون في بيوتهم مع أحدث الأجهزة.

وتتجسد قمة التناقض في حظر استخدام المعلمات للإنترنت ودخولهن على الشبكة المعلوماتية أثناء الدوام إلا بضوابط صارمة يحددها رقيب من قبل الإدارة في الوقت الذي تطلب الكتب من المعلم الاستعانة بالبحث في المصادر والربط بالواقع مغفلين أن الإنترنت وسيلة من وسائل التعلم الحديثة، ولا تعارض البتة بين التدريس والبحث والتثقيف في أوقات الفراغ التي تتخلل اليوم الدراسي، فكانت النتيجة شعور الطلاب بالملل والتناقض في تدريس الموضوعات العملية بشكل نظري وسرد مخيب للآمال، واعتقال طلاب المرحلة الابتدائية (والصفوف الأولى تحديدا) حتى ساعات الظهيرة المتأخرة وإتخامهم بحصص سبع تفوق قدرتهم على التحمل، وحقائب ثقيلة قوّست ظهورهم الصغيرة، فيخرجون متعبين كزهرات ذابلة وقد أنهكهم الحر والإرهاق وتبدد حلم الحقيبة الخفيفة وهم الذين بدأوا للتو في تبادل لغة التفاهم بينهم وبين المدرسة، فأبغضوها قبل أن يعرفوها، كل ذلك بحجة زيادة حصص التربية الأسرية والحاسب و... إلخ حتى عجزت خمسة أيام دراسية عن استيعاب هذا الكم الهائل من الحصص بشكل مريح، ومما زاد طين التعليم بلة هو اجتهاد إدارات التعليم في المناطق المختلفة في إصدار تعاميم تحد من فاعلية خط التطوير العام الذي تتبعه الوزارة عن وعي والذي كانت المناهج مدخلا له.

الدورات التدريبية التي أعطيت للمعلمين والمعلمات وتزامنت مع اعتماد المناهج المطورة، ليتها شملت مديري التعليم كذلك، حيث لا يكون التركيز على طريقة تدريس المنهج المطور فقط بل تشمل طريقة التعاطي مع مستجدات الأمور والتخلي عن التشبث بآليات بالية في التدريس والتعاطي مع الطلاب والطالبات بشكل لا يتناسب وعصرنا الحاضر وطبيعة هذا الجيل.