كنت ضمن المكرمين وسعدت بذلك اللقاء الذي جمعني بأحد أقرباء فضيلة الشيخ علي الطنطاوي المؤرخ والأديب والفقيه الذي حضر لتسلم جائزة التكريم لهذا العلامة الفذ في قاعة الاحتفال بجامعة اليمامة، وبرعاية من أمين عام رابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور عبدالله التركي، ومع هذا التكريم كان يقدم عريف الحفل مقتطفات من تاريخ كل مكرم أعدتها موسوعة (رياض الإعلام) مشكورة لكل من يقف على مسرح التكريم. حينها عادت بي الذكريات إلى الزمن الجميل الذي عشت تفاصيله مع المغفور له بإذن الله الشيخ علي الطنطاوي عندما كان يسجل برنامجه الشهير (على مائدة الإفطار) وبرنامج (مسائل ومشكلات) وبالنسبة لهذا الأخير فهو برنامج إذاعي كان يذاع قبل صلاة عصر كل يوم على مدى سنوات طويلة.
وبعد استعراض أبرز محطات عطاءات الشيخ الطنطاوي أمام حشد من الجمهور الذي دعي إلى المناسبة فكانت ليلة طنطاوية أحياها الشيخ رحمه الله بذكرياته، وبما أن الناس يعيشون هذه الأيام ليالي رمضان فقد عدت بذكرياتي لأنقل بعض المحطات التربوية من حياة ذلك الفقيه، لقد كان رحمه الله يأخذ المشاهد في رحلة سياحية ودينية وثقافية. فكان نعم المؤرخ لتاريخ التنمية في المجتمع السعودي يقول رحمه الله "جئت إلى هذه البلاد من طريق تبوك وكانت بلدة صغيره يقطنها بعض المواطنين ولمست الكرم الحاتمي الذي نقرأه في التاريخ عن حاتم الطائي واليوم أصبحت تبوك مدينة عصرية ذات تمدد عمراني" ثم انتقل فقال "كذلك الحال في جدة والطائف والرياض.. أنكم أيها السعوديون تنعمون بنعمة عظيمة في زمن الرخاء أحمدوا الله عليها" هذه الكلمات وقفت عندها اليوم مع التمدد العمراني لبلادنا الحبيبة لأذكّر أبناء الوطن أنّ من نعم الله علينا التي تستحق الشكر -حيث تدوم النعم- ما منّ الله به علينا من خيرات خيّرة يغبطنا عليها غيرنا وخصوصاً هذه الأيام الفضيلة التي يجب علينا أن نتذكر معها الفقراء عندما نخرج من دور العبادة، أو نقبل عليها حتى نعطي لقيمة الصيام أهميته ورسالته التي أوصانا بها الدين الحنيف فمن حكم الصيام أن يتذكر الأغنياء الفقراء.
كذلك في أحاديث الشيخ الطنطاوي الموسوعية تذكرت كيف كنا وكيف أصبحنا فلنحافظ على ذلك الخير ولنحافظ على أمننا ووطننا، حيث نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ومنها "الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان" يرحم الله الشيخ الطنطاوي في كل حين فلقد كان مدرسة منوعة من الثقافة والإبداع والذكريات والخواطر، ولعلي لا أنسى كلماته تجاهي عندما أعلن في برنامجه الشهير الإذاعي "مسائل ومشكلات" حيث ذكرني رحمه الله بخير فقال "أحسن الأخ العيدي الذي يقرأ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وينطق أسماء الصحابة أفضل من بعض أستاذة الجامعات"، رحمك الله شيخنا وجزاك الله عن أمتك خير الجزاء، وتشكر (رياض الإعلام) على هذه اللفتة لصناعة تكريم هذا العلم والرمز الديني الذي يحفر في ذاكرة كل مشاهد اسمه في برنامج على مائدة الإفطار ولا أنسى خاتمته الشهيرة "يقول المخرج.. انتهى الوقت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".