وجود الكاميرا الأمامية في الجوال أتاح لصاحبها التقاط صورا شخصية له ولمن معه؛ هذه الصور شديدة القرب من ملامحه قد تظهرها بشكل مكبر أو غير متجانس فيعود ليمسح الصورة ويكرر اللقطة مرارا آملا بصورة أجمل أو يبقيها على مضض، وهذا يشبه ما يحدث في مسلسل سيلفي وموقفنا النقدي منه!

المسلسل تجاوز أخطاء (واي فاي) المفكك وقدم الفكرة بوحدة موضوعية بارزة فأشرقت وأطفأت ضوء المسلسلات والأعمال الأخرى، فقد أغرق في تفاصيلنا الدقيقة ولفت نظر مشاهدين عربا أبدوا إعجابهم وأرسلوا التحايا لأبطاله، وقد نلاحظ ظاهرة صحية هي تفاعل الناس مع موضوعات سيلفي بشكل يومي ولحظي أحيانا يبدأ النقد والتعليق والتوقعات من بداية الحلقة، ويستمر حتى بداية حلقة ثانية أحيانا أخرى. المهم ما الصور (السيلفي ) التي أثارت المجتمع أكثر وأثارت الجدل حوله؟

حتى الآن الشباب في محرقة ما يسمى الجهاد أو داعشا وتحولهم الفكري، والعنصرية بين سني وشيعي، والتعصب الرياضي، والعنف الأسري والفقر.

التعليق على المسلسل كالمعتاد تفاوت ولكن الجميع الموافق والمعارض لم يقل إن ما قدمه المسلسل ليس حقيقيا، بل على العكس انبرى الشباب لإثبات وجود سوق للجواري أو وجود شخصية (أبي سكروب ) في واقع الرقة عاصمة داعش.

هناك من غضب من تصوير أكثر الدواعش من السعودية وهناك من قال هي حقيقة.. جدل مع أو ضد يؤكد المخالف لطريقة تناول المسلسل للقضايا أن القضية أهم من أن تطرح بهذا الشكل أو ذاك، وقد يتخلل النقاش بعض التعصب.

علقت كما علق غيري على بعض الحلقات ولكنني تجنبت التعليق على التعصب الرياضي من تجارب سابقة أن مناقشة متطرف من داعش لا تختلف عن نقاش متعصب لفريقه، فكلاهما يستحيل إقناعه أو أحدهما نتيجة للثاني!

اللافت أن المتعصب حين يناقش التعصب يؤكد أنه وما يمثله على حق وأن هذا معنى الحلقة ويثني عليها من جانب تطرف فهمه الخاص فيجيرها لحسابه!

السؤال ماذا فعل سيلفي ؟

طالما تحدث وكتب الكتاب وبشكل يومي عشرات المقالات الجادة، والقليل من الساخرة التي تطرح ما سبق ذكره من قضايا، لكن رسالة مسلسل (سيلفي) كانت أقوى وأكثر تأثيرا، تارة لاعتمادها كمًّا من السخرية حتى في الطرح الجاد، وأخرى لأن التمثيل لغة مقروءة من الجميع ولا تحتاج ثقافة أو إدراكا، كما نحتاج في قراءة كتاب وربما مقالة!

المسلسل بكتابه المميزين كان جراحا ماهرا استأصل مخاوفنا من مواجهة أنفسنا، فرأينا عنصريتنا وإخفاقاتنا في استرداد أبنائنا من براثن التطرف، كما رأينا كيف نبارك التفكك الأسري لأجل كرة تحركنا بها أقدام غيرنا!

ناصر القصبي كان بطلا إذا تكلم وإذا نظر فقط، فصمت ناصر ونظرته الحادة لولده التي تحمل كل مرارة وخيبة الأب استدرت الدمع والألم!

سفر الأب وحيدا إلى داعش ليستعيد ولده عملا بنصيحة ابن عمه الوحيد الذي بقي بعد تخلي أقاربه وفرارهم من قضيته يرفع أصابع الاتهام في وجه أقاربه الذين تخلوا عنه إلا أحمق أشار عليه بالسفر؛ وكأننا نموذج لأب ساذج وأسرة أكبر تخلت عن هذا الأب، ما يجعل القضية جهلا على مستوى الأسرة الصغيرة وتخليا على مستوى الأسرة الأكبر، فما مدى الوعي الحقيقي بالخطر في مجتمعنا هل هو الهروب من المواجهة أو التخبط؟

أحيانا في بعض قضايا الإرهاب تبادر أسرة أو قبيلة لإعلان أنها بريئة من فعل الشباب المغرر بهم، وأحيانا يمارس الأقارب الهجوم على المكلومين من باب أن ابنهم شوّه اسم العائل بفعلته، وكأن الأسرة المصابة لا تجد لها عونا من قريب ولا غريب!

سخرية زوجة "الجهاد" من أناشيد الإخوة نقد ساخر من جانب آخر بثقافة متدنية تعجز حتى عن إنتاج كلمات معبرة مطربة تصل إلى مستوى (نص نص)!

لنترك حلقة بيضة الشيطان مع ملاحظة مهمة أن التحول للإرهاب نتيجة لعوامل ثقافية لم يتم التصدي لها إلا بشكل فردي.

العنف الأسري ضد الرجل والقسوة على الموظفين برأيي وجه للعنف ضد المرأة الذي يجد تكتما وخجلا من البوح، أو علاجا لا يجدي من يتعرض له فكل من كان في الحلقة كان معنفا!

السني والشيعي اللذان اتفقا على الفساد واختلفا على الإسلام تاريخيا وصراعا سياسيا وبمقولات وشكوك هشة.

كل القضايا المطروحة قضايا وطنية بامتياز وصلت رسالتها واضحة بطريقة الكوميديا السوداء كما تسمى وهي أن نضحك على المبكيات!

تحية وشكر لفريق عمل سيلفي المبدع من طاقم كتابة وممثلين وإخراج، نتمنى لهم التوفيق في تقديم قضايانا المحورية، ونرجو أن نرى أنفسنا بقرب أكثر ونتأمل في زوايا الصور الخفية.