فاطمة عبدالله الهازمي


موج من التغيرات والأفكار والتطورات تعصف بالعالم الآن، وكأنّا جميعا داخل بحر تزداد أمواجه هيجانا دون توقف. ما دفع البعض أحيانا إلى تبني مفاهيم ومصطلحات وأفكار جديدة فقط لأجل التعايش مع حجم هذه الموجة لنخرج منها منتمين لها ولو شكلا بدلا من كوننا معزولين عنها. وشتان بين من ينخرط فيها مرغما ينتظر النجاة وبين من يصارعها (رغم اندفاعها)، ولكن بشيء من التأمل لتمييز ما تحمله هذه الموجة من شوائب ومنافع ليحقق الانتقائية فيما فيه المصلحة. ولا شك أن تشكل هذه الأمواج المحملة بالأفكار والتجديد هي آية الله في خلقه، وهي برهان لما يحمله العقل البشري من قدرة على التفاعل مع معطيات البيئة المحيطة به وترويضها لما فيه منفعته. تعددت المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بما يتعلمه الإنسان ويعلمه وما يؤثر فيه وما يتأثر به في محيطه العائلي أو المهني أو الدولي أو الإنساني على وجه العموم. المعرفة مثلا من المصطلحات المتداولة حاليا والتي بدأنا نتفاعل معها على أنها فكرة جديدة متشعبة لفروع جميعها حديثة ومكتشفة وجديرة بالبحث والقراءة. ما دفع فئة المتعلمين للتفاعل معها من باب التجديد والتنحي عن كل موضوع قديم قتل بحثا واطلاعا كما يذكر دائما. والعبرة ليست في ركوب موجة التجديد والتلاعب بالمصطلحات بقدر ما هي البراعة في تناول تلك المصطلحات شرحا واستيعابا وربطا بالواقع والعوامل السابقة لهذا الواقع. المعرفة كما فسرها الكثيرون مسبوقة ببيانات خام حولت إلى معلومات منظمة ومن ثم ترجمها العقل البشري إلى معارف كونها وصلت إلى مرحلة تفسير العلاقات بين هذه المعلومات. وهذه مرحلة تميز بها العقل البشري عن غيره من المخلوقات، وهي اللحظة التي خلقت هذه الموجات العارمة من الأفكار والتفاعل الإنساني.

المعرفة موجودة منذ أن خلق الإنسان، فلديه معطيات مسبقة وعقل للتفاعل معها ولكن العبرة بمن منح هذه المراحل مسميات وتفسيرات واضحة. موج من المصطلحات الخارجة عن تأمل، تحيط بمفهوم المعرفة، والفضل لمن فصلها، كاقتصادها ومجتمعها وإدارتها وغيرها من المصطلحات.

فيما يخص (إدارة المعرفة) فلا شك أن هذا المصطلح جدير بأن لا ننظر له كمصطلح حديث يخرجنا من بحر المصطلحات القديمة ليمنحنا إعجاب وثناء الآخرين، بل ننظر له بعين الناقد ونتأمل محاوره العميقة ودور هذه المحاور في تفسير كثير من مشاكلنا الإدارية في المؤسسات الحكومية وغيرها. وأعتقد دون جزم أننا ما زلنا نعيش على هامش تجميع البيانات وتحويلها إلى معلومات، وما زلنا نفتقد الصراع والمشاركة الفاعلة في الموجة العارمة المتمثلة في مرحلة إدارة المعرفة. وعليه فإن التأمل والتفكير العميق في الظواهر من حولنا وتحويل البيانات الخام إلى معارف هو النجاة الحقيقية من الغرق وسط الأمواج الهائجة التي تحيط بنا. لا مانع أن نبدأ في الصعود من أول السلم فنعطي وقتنا واهتمامنا بمرحلة جمع البيانات حتى تكتمل في كل مؤسسة وتصبح مادة ثرية نستطيع من خلالها الانتقال إلى السلم الآخر المتمثل في تنسيق البيانات لتصبح معلومات يستفاد منها في إعطاء الصورة العامة للمؤسسة، ولا شك أن اكتمال هذه وتلك سيدفع كل شخص إلى تفسير وربط العلاقات بين هذه المعلومات لتصبح معرفة يعتمد الأفراد عليها في الابتكار والتجديد والبناء الذي يميز كل مؤسسة عن الأخرى. وهكذا علينا ألا نستسهل أي بيانات ومعلومات لها علاقة بمؤسساتنا، وعلينا أن نتعامل معها ككنوز مبعثرة نعمل على جمعها لتصبح لها قيمة تخدمنا وتخدم كل من يعمل في المؤسسة، لنبدأ بشكل واضح ونرتقي من مرحلة جمع المعلومة إلى تفسيرها لتكون معرفة تبنى عليها معرفة أخرى تقفز بالمؤسسة إلى مستويات عالية في الابتكار والإنجاز.