تعتبر الدراما المنتشرة في وسائل الإعلام المرئية ذات أثر وتأثير كبيرين، ولا سيما ونحن في عصر الصورة والكلمة التي تصل اليوم بوسائل مختلفة عبر الإعلام المرئي بشكل أكثر بساطة وجاذبية ووضوح من خلال الدراما، حيث إن القضايا غير الواضحة تتضح، وربما حتى القضايا التي كانت تعدّ هامشية في الثقافة والمجتمع تصبح من خلال الدراما قضية رئيسة، بل إنها تبرز كيف يفكر الإنسان المتشدد بعداوة ضد أي نقد للمظاهر السلوكية الدينية على اعتبار أنه نقد للدين وانتقاص منه.

ولهذا أثارت بعض حلقات مسلسل "سيلفي" غضب (الدواعش) و(الطائفيين) في حلقتين منفصلتين تناولتا "الإرهاب" و"الطائفية" كقضيتين واقعيتين تشغلان تفكير المجتمع السعودي التواق للتطور والتجديد، ما جعل بعض فئات المجتمع-في ردة فعل غير مستغربة- تحاول صنع وصاية على المجتمع هي الأعلى سلطة. 

غير أن المشهد التمثيلي، كما هو واقع الحال، أدى دورا مهما في تعقب طريقة تفكير هذه الفئة من المجتمع، التي سقط أفرادها في دهاليز "الإرهاب" و"الطائفية" بشكل يأخذ الطابع الكوميدي أحيانا، وبالتالي فإن توظيف الدراما في السينما والتلفزيون أسهم لعقود طويلة في إيصال الرسائل والاتجاهات في معالجات درامية قد تحمل أفكارا مباشرة أو غير مباشرة لقضايا عميقة في مستوياتها الفكرية والإنسانية والمجتمعية، الأمر الذي يجعل حلقة في مسلسل تلفزيوني أو فيلما سينمائيا أكثر تأثيرا في المشاهدين مما يطرح في الكتب والصحافة؛ لأن الوعي العام في المجتمع ينمو إذا كان مركزا في اتجاهات متعددة لا في اتجاه واحد، ولذلك تستطيع "الدراما" الإسهام في تنمية وعي المجتمع وإعادة تشكيل الفكر الجمعي ولا سيما في ظل محاولات تجهيل المجتمع من خلال الخطابات "الديماغوجية"، ووقوع الوعي المجتمعي بين سندان الوصاية ومطرقة الفكر الأحادي، مما يجعل الفن عموما محاربا كي لا يسهم بتقويض الوصاية والفكر الأحادي في هذا الاتجاه، فمعروف أن الفنون بمختلف أنواعها قد تحمل مضامين عظمى حول قضايا مهمة كالعدل والحرية والمساواة كما مسرحيات (فولتير)، وكما هي مسرحيات (هيوجو) التي حارب بها الظلم وانحاز فيها لصالح الإنسان، كما يشير تاريخ الفن العالمي إلى أن الكثير من المبدعين في العالم بذلوا اهتمامات كبيرة للارتقاء بفكر الإنسان من خلالها، وبذلك أسهموا في الارتقاء بالبشرية ككل لا مجتمعاتهم فحسب، وهذا ما يعتبر إعادة لإنتاج الوعي في المجتمع، وهو الوظيفة الأساسية التي يفترض أن يقوم بها المبدعون والمثقفون، انشغالا بالمشروع الإنساني، وهو التنوير مقابل الظلام، حتى لا تتحول القيم الإنسانية إلى قيم هامشية في مجتمع متوحش في دائرة الحضارة البشرية.

ويتعرض دور الدراما في مكافحة الإرهاب والطائفية إلى ما يشبه الحروب نتيجة محاولات قمع الرأي الآخر وإقصائه، وتصوير ما تقدمه الدراما من أفكار لنقد الخطاب الديني بأنها نقد للدين ذاته، وهذا أمر ظهر جليا في نقد "داعش" الذي قدمه المسلسل المشار إليه آنفاً، ما يفيد بأن في المجتمع الكثير من الدواعش، والطائفيين وهو الفكر الذي لم يهبط من السماء ولم ينبت مع فطر الأرض!  

إلا أن الزمن كفيل بتغيير القناعات، فالخطاب "الديماغوجي" المفعم بالعاطفة ومحاولات كسب نفسيات الجماهير وأذهانهم من خلال إيصال رسائل سلبية لها غايات أيديولوجية بعيدة، يسهم في الشحن الطائفي وبالتالي تعبئة شباب متطرفين ضد مجتمعهم ووطنهم، من خلال التحريض والتخوين وتخويف المجتمع من نقد الفكر المتطرف باعتبار ذلك تطاولا على (الدين)، مما يسهم بنمو التطرف والطائفية وبالتالي إشاعة الفتنة وتدمير الثقة بين المجتمع الواحد وزعزعة اللحمة الوطنية، ولذلك نجد أن التحريض على المبدعين والمثقفين والإعلاميين يبدأ من حيث يبدأ نقد التطرف، ويجد الاتهام والتحريض آذاناً صاغية من قبل بعض الذين يأخذون الأمور على عواهنها؛ نتيجة ردة فعل عنيفة ومتطرفة بعد نقد الفكر الديني المتطرف، مما يجعل المجتمع بالتالي قابعا في الجهل.