المبدع لغويا هو المنشئ أو المحدث الذي لم يسبقه أحد، كما يعرف الإبداع إجرائيا أو شرطيا بأنه "إنتاج عقلي جديد ومفيد وأصيل".

ويبدو هذا التعريف متصادما متعارضا إلى حد ما مع توجهات البعض ممن يضعون الضوابط والقيود على النتاج الأدبي الذي يوصف عادة بأنه نتاج إبداعي، مستخدمين ذريعة التجنيس والتصنيف، متهيبين من كل كسر للقواعد، وكأنهم يحكمون بشد المبدع إلى صندوق النمطية بالإكراه.

يذكر لي صديق أن مجموعة قصصية له رفضت من قبل أحد المحكمين بذريعة أن إحدى قصصها كان فيها أربع إلى خمس شخصيات، وإن كانت هذه الشخصيات تدور في فلك الشخصية الرئيسة وعلاقة بقية الشخوص بها، ورأى المحكم أن القصة يجب ألا تحتمل أكثر من شخصيتين إلى ثلاث، وبالتالي رفض إجازة المجموعة، وحرم مؤلفها من النشر، خصوصا أن قرار المحكم لا استئناف له، وهو يأتي باتا مكتسبا الدرجة القطعية.

يتجاهل المحكمون في بعض الأندية الأدبية في المملكة أن ما يكتبه المؤلف يمثل رؤيته الخاصة لما يكتب، وأن القصة التي يكتبها تمثل مفهومه الخاص للقصة، وأن هذا قد لا تحكمه القوالب الجاهزة مسبقة الصنع التي قد يؤمن بها هؤلاء المحكمون، فقصة "ليس في هذه القرية لصوص" لجابرييل جارسيا ماركيز اشتملت على ست عشرة شخصية، وليست فقط خمس استكثرها المحكم على صديقنا.

يقول الروائي الفلسطيني أسامة العيسة الفائز عن روايته "مجانين بين لحم" بجائزة الشيخ زايد للكتاب للآداب 2015، "كل مضمون يختار شكله الأنسب"، وبالتالي فإن المضمون هو من يفرض حضوره على الشكل السردي أو الشعري الذي يلجأ إليه المبدع، وهذا ليس من الضرورة أن يتسق مع النمطية التي يسعى البعض إلى تكريسها عبر قوالب جامدة.

ثمة قوالب متفق عليها في الأدب، لكن ديدن الإبداع كان دائما محاولة كسر هذه القوالب، والسعي إلى التمرد عليها، وهو ما أنتج اليوم القصة القصيرة جدا، والقصة الومضة، والقصة التويترية، وربما ما يتحدث عنه البعض الومضة المتدحرجة، وغيرها من التصنيفات التي يسعى البعض إلى اعتمادها، وركوب أمواجها، للخروج من ضيق القوالب التي تؤطره أو تضعه في خانة التقليد.