عبير العريدان


ورد في تراثنا أن المؤمن مصاب وأنه مبتلى من الله وعليه فقط الصبر والاحتساب، وهذا صحيح إذا أحسنا فهمه، فالأنبياء والمصلحون ودعاة الحكمة على مر العصور تعرضوا لكل ابتلاء، ولكنهم صبروا ومضوا في طريق إصلاحهم، غير أن البعض يسخّر ويحور مفهوم الابتلاء لمصلحة أفكاره السوداوية، فينزع عن الإنسان مسؤوليته فيما يتعرض له، ويكرس فقط لثقافة اليأس والمحن والمصائب، وهو بهذا يشيع الطاقة السلبية في نفسه وفي نفس من حوله. لأن هؤلاء لا يفسرون الموروث إلا بما يناسب أفكارهم هم، وهم يرون أن أتباعهم فقط على الحق وغيرهم على الباطل، فهم لا يملكون إلا نشر الطاقة السلبية في السراء أو الضراء من "الحزن، الألم، الفقر، السخرية، التدخل في النيات، الأحكام والتصنيفات".. وقد اقتنعوا بسبب فهمهم الخاطئ واجتهادات بعض رجال الدين أن العذاب والابتلاء من الله واقع عليهم، ومن يحاول أن يعيش في جنة الدنيا فهو مخطئ! يستخدمون في ذلك وبكل بقوة وحدة أساليب الترويع والتخويف لمن خالف فهمهم السلبي للموروث ورموزهم التراثية.

فغالباً ما يهاجمون من يخالفهم الرأي ويحاولون إثبات خطئه وضلاله، يتصيدون أخطاء من يفكر خارج الصندوق، لذا فهم شر كل أمة وسبب منع منافع الخير عن الناس كلما ظهر علم جديد أو فكر رشيد، ليكونوا بالمرصاد لأي فكر منطقي متنور!

بسبب سيطرة هذا الطاغوت الفكري على عقول الناس نجد في عصرنا الحالي تخبطا في مفاهيم التدين، والاستمتاع بجنة الحياة، والله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، ولو تدبرنا القرآن فهمنا الوعد الرباني للذين آمنوا بالسعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. فالحياة جنة والدين يسر، ولأن الهدف الأسمى من خلق الإنسان هو أن يعيش متمتعا شاكرا لله، لذا كانت كل التعاليم الدينية تقود الإنسان كي يحقق هذا الهدف، إلا من أساء الفهم فضل عن الطريق.

تأتي المؤثرات الخارجية السلبية من الأشخاص الفاشلين، أو الخطابات المنبرية التي هضمت الدين حقه، أو من الإعلام، وهي الوسائل الأكثر تأثيراً على الشخص، حيث تملؤه بالشحنات السلبية بارتداء ثوب الماضي لجعله دائماً عقيم التفكير والفعل.

والسؤال الذي لا يفتأ يفرض نفسه: كيف سنحرر عقولنا من علائق الماضي وهدم الموروث السلبي الذي عكس فطرتنا ورؤيتنا للأمور باغتراب؟!

ليس هناك أقوى من سلاح الفكر الإيجابي لمحاربة الأفكار السلبية والسوداوية، والإيمان بالقيم والمبادئ والمثل العليا، وتتبع الإلهام الإلهي لنلتقط منه صور جمال الحياة واقتناص المواقف الأكثر إيجابية، التفاؤل والأمل طاقتان كونيتان تدوران في أفلاكنا، نحيا بهما وتعمّقان الفكر والثقة بالنفس، تحفزان إلى العمل، تدفعان إلى النجاح، وذلك هو التحدي مع الذات لإطلاق الطاقات والمواهب الدفينة لجذب كل فكرة إيجابية من خلال الطاقة الإيجابية، فهي ببساطة مرآة الحياة.

لقد اكتشف العلماء مع تطور العلوم وظهور علوم الطاقة في الأفق هذه الحقيقة العلمية: "كلما كانت طاقتك إيجابية عالية زاد الخير وانهالت عليك النعم من كل اتجاه، وكلما قابلت طاقات البشر السلبية بطاقة إيجابية استطعت أن تجعل حياتك أسعد وأفضل بأكثر مما تتخيل".

نحن من يقود مستقبلنا وأحداث حياتنا ومن يتحكم في طاقتنا بعيداً عن كل تأثير معاكس.. نحن الفعل الذي نريد أن نكون وليس ردة فعل تابعة لمن يريد.

يقول مصطفى السباعي:

"إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود رأيت الجمال شائعاً في كل ذراته، حتى القبح تجد فيه جمالاً".