في لجة من القلق؛ السعوديون يبايعون الملك الزاهد خالد وولي عهده فهد، بعد غياب "العكال" المربع الشهير الذي طالما شعروا معه بالأمان والحكمة، التجاذب الدولي على أشدّه، العرب خرجوا للتو من حرب رمضان مع إسرائيل، ظلال الصدمة البترولية التي ألقت بظلالها على العلاقة بين السعودية وحلفائها في الغرب؛ على الشاب الأنيق سعود الفيصل أن يقنع العالم بنفسه وكفاءته، وأن يرتب هذا الشأن الخارجي الشائك، وأن يدافع عن مصالح بلاده ويبرر سياساتها.
لم نكن نرى في سعود الفيصل وزير خارجية فحسب، كنا نراه ممثلا للشباب السعوديين، النموذج الذي نود أن يرانا به العالم، ثقافة وأناقة وأخلاقا.
الصبر في عالم مستعجل، وضوح الرؤية في ضباب السياسة. الصدق في مهنة لا تحب الصدق. المروءة في عالم خاضع للمصالح. وقبل ذلك وبعده نبل عريق، لم يخرج أبدا عن أخلاقه في غضب أو فرح، باقة من الشيم جعلته دائما نادرا مهما تكرر ظهوره.
حتى آخر يوم، ونحن لا نرى إلا ذلك الشاب الذي دلف إلى الوزارة للمرة الأولى وهو في الخامسة والثلاثين. عرفنا أنه يعاني من آلام في الظهر من زمن بعيد، ثم رأيناه يعاني صعوبة في المشي والنطق، لكن لم نغير نظرتنا الأولى له، فما زال هو بذكائه وابتسامته، وما زال هو بنشاطه، وزيرا لخارجية بلاده وأحيانا وزيرا لخارجيات عربية في لحظات عاصفة.
اختصر حديث الأخير شخصيته العظيمة، يحب انتزاع البسمة من المأساة، فصحته الشخصية كصحة الوضع العربي، نبيل رقيق وهو يغالب دموعه عند حديثه عن الملك عبدالله، واضح الرؤية حين قال لسنا دعاة حرب لكن لو دقت طبولها فنحن رجالها.
كانت تلك أول مرة نرى، نحن المواطنين، دموع سعود الفيصل، دموع حركت أشجاننا ودموعنا، وشعرنا أن الأمور تجري إلى غايتها.
تمنينا أن يمتعه الله بالصحة، لينعم بأسرته وحياته ويكتب مذكراته، لكن الله رحمه من الآلام التي كان يعانيها.
غدا، حين يفتش العالم في خزائنه السياسية عن آباء السياسة الرفيعة، سيجد اسما ذهبيا هو سعود الفيصل. وحين نفتش في قلوبنا عن الرجال النادرين، سنجد في مقدمتهم الشاب الأنيق سعود الفيصل. الرجل الذي أحبه الجميع لأنه النموذج المنشود.