يجدل السعوديون والمقيمون على هذه الأرض المباركة أشعة شمس عيد الفطر بالشكر والثناء على نعمة الأمن والرخاء والاستقرار، ويقارنون بين ما أفاء الله به علينا وما تعيشه بعض الدول الشقيقة، وفي الوقت ذاته يشعرون برحيل "رمضان"، وهم لا يعلمون أنهم هم الراحلون، وأن "رمضان" باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يشعرون بالتقصير ويحاولون التصحيح في "رمضان" المقبل.
نحن الراحلون عن هذه الدنيا الفانية و"رمضان" باق لا يرحل بل يحضر في موعده دون تقديم أو تأخير، رحل عنا أهل وأقارب وجيران ومعارف، ومَن فاز بإحدى الحسنيين في الحد الجنوبي، ورحل فقيد الوطن سعود الفيصل. هذه سنن كونية، وحجوزات مؤكدة؛ واحد تلو الآخر بعد انتهاء رحلتنا في هذه الدنيا التي لا تساوي عند رب العزة والجلال جناح بعوضة.
من ضمن الراحلين محمد بن عبود القحطاني، العبرة ليست في رحيله وهو من أعيان قحطان، بل أقف عند حالة الضعف عند الأبناء، وفي مقدمتهم "هيف"، ففي غمرة مشهد الدفن لوالده شاهد قبر والدته، فتناول "المسحاة" للملمة التراب حول قبرها المجاور لقبر والده، وطلب بمشاعر الابن البار رش المياه على قبر أمه.
مسافة رحيل ابن عبود ومن قبل الأم، تترجم تعب السنين، وحالة السكن في الدنيا ثم الرحيل سويا متجاورين في المقبرة ذاتها، ويكمل المشهد التراجيدي البر بالوالدين من الأبناء الصالحين "نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله".
رحل الناس وبقي "رمضان" فهل نبقى إلى رمضان المقبل؟ أم نرحل عن هذه الدنيا؟ كلنا راحلون وحجوزاتنا مؤكدة "واحد ورى واحد" والمقاعد متوفرة لكل الراحلين والرحلات متتابعة، جعلنا الله وإياكم من الفائزين والقليلين.