من لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحد.. فكلنا ميتون لا محالة في ذلك، فمنا من يموت ميتة عادية، ومنا من يموت عزيزا كريما شهيدا مجاهدا في سبيل الله بساحات العزة والكرامة، حاملا راية التوحيد مدافعا عنها.. فالموت لا يرهب الشجعان والأبطال ولا يخيف الرجال الأفذاذ المخلصين لدينهم وتراب أوطانهم.

إنها للحظات حزينة هي تلك التي أكتب فيها عن أبطال وشهداء نالتهم يد الظلم والغدر والخيانة من أذناب المجوس وأرجاسهم على تراب أرض الجنوب الغالية . أنعى أولئك الأبطال الأفذاذ الذين ارتوت أرض الوطن بالحد الجنوبي من دمائهم الطاهرة الزكية، مقدمين غير مدبرين في سبيل الله أولا ثم في سبيل الدفاع عن حياض هذا الوطن وأهله ومكتسباته.

إنني هنا وفي هذا المقال أتقدم بأحر التعازي وأصدق المواساة لمقام الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، ولولي عهده الأمين وولي ولي عهده في شهداء الواجب المرابطين بالحد الجنوبي، كما وأنعى وأعزي الوطن في شهيد الأمة اللواء الركن عبدالرحمن أبو جرفة الشهراني وللشعب السعودي قاطبة في هذا المصاب الجلل والأمر العظيم، وإن كان خبر استشهادهم واستشهاد قائدهم -رحمهم الله رحمة واسعة- له وقع أليم وعظيم علينا، إلا أن ذلك -بإذن الله- سيكون الجمرة الملتهبة والنار المستعرة التي يستعير لظاها لهبا ونارا محرقة تحرق الحوثي وعفاش وزمرتهم من المجوس الأوباش.

ففي ذمة الله أيها الأبطال شهداء مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا، فقد ذرفت أعيننا عليكم الدموع ولم نعرفكم أو نراكم من ذي قبل، وذلك لبذلكم أرواحكم ودمائكم في سبيل الدفاع عن عقيدتكم وتراب وطنكم، فهنيئا لكم بالشهادة بإذن الله.. (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).

لقد ضربتم لنا أروع الأمثلة وأجلاها وأوضحها في البسالة والإقدام والشجاعة بساحات الوغى والصدام، فشتان بين من يكون في مقدمة الصفوف مجاهدا وبين من يلتحف الكهوف متخفيا خائفا كأنه جرذ مبلول.

فعندما يبذل المؤمن روحه طواعية في سبيل الله ثابتا في ذلك البذل والعطاء مواجها الموت بكل أهواله مقبلا إقبال الليوث الأشاوس مهما علت رتبته العسكرية ومكانته الاجتماعية تجده دائما في مقدمة الصفوف، فهنا وفي هذه الأثناء النورانية فقط يصل المؤمن الحق إلى لحظة روحانية فريدة من نوعها طاهرة نقية تسمو به فوق غرائز بني البشر العمياء، اللاهثة وراء البقاء والحريصة على الحياة وزينتها ورونقها ولذائذها.