لا شك أن المحاولات الحثيثة والمستمرة لتطوير الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة محل تقدير واهتمام الرأي العام، وفي عصر تطور وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات الإنترنت أصبحت وزارة الصحة ربما الوزارة الأولى التي يهتم المواطن بأدائها، بل إنه أصبح أحياناً وبلا رقيب ينشر تقارير مصورة لأحداث ومواقف يتعرض لها المرضى، وتجد انتشارا من خلال هذه الوسائل إلى شريحة كبيرة من المواطنين دون التحقق من ملابسات وظروف كل حالة، من الصعب حينها أن تتمكن الوزارة حتى من الدفاع عن منسوبيها في ظل الهيكلة الإدارية الحالية وعدم قدرة الجهاز على مواكبة هذا التطور السريع، بل إننا نشعر أحياناً بتعمد تجاهل الوزارة للتصدي لتلك الحملات لأسباب غير واضحة.

لو أمعنّا النظر جيداً لوجدنا أن نظام الرعاية الحكومية في المملكة يمكن أن يصنف على أنه نظام وطني لتقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية للمواطنين من خلال عدد من الوكالات الحكومية باستثناء القطاع الخاص الذي يستحوذ على ما يقارب 22? من تلك الخدمات، وهذه نسبة عالية جداً من الخدمات المجانية المباشرة ليس لها نظير في أي بلد آخر، إلا أن هذا وحده غير كافٍ في ظل الميزانية الهائلة التي تنفقها الدولة بدون نتائج حقيقية ملموسة تواكب النهضة والنمو السكاني.

ولو نظرنا مثلاً إلى نسبة الأطباء السعوديين في مستشفيات الوزارة لوجدنا أنها لا تتجاوز 25? من عدد الأطباء العاملين بالوزارة بينما يفضل 75? من الأطباء السعوديين العمل خارجها، حيث يعمل 70? منهم في المستشفيات العسكرية (الدفاع، الحرس الوطني، والأمن العام) والمستشفيات الجامعية، في حين يعمل أقل من 5? من الأطباء السعوديين في القطاع الخاص.

إن تحسّن الخدمات الصحية في المدن الطرفية والتي تعاني من تدنٍ شديد لتلك الخدمات وتنال النصيب الأكبر من الانتقاد للوزارة لن يتم دون استقطاب المواطنين الأطباء الاستشاريين  وتشجيعهم على العمل خارج المدن الرئيسية ومنحهم كافة التسهيلات التي تمكنهم من تطوير العمل وتدريب الأطباء الأقل تأهيلا وتجربة، حتى وإن تم ذلك بعقود قصيرة الأجل لمدة عام أو عامين، على أن توضع خطة واضحة لأن يقوم طبيب آخر بتكملة تلك المهمة، من الممكن جداً انتداب كبار الأطباء في المستشفيات الجامعية على سبيل المثال والذين تعاني أقسامهم من تكدُّس لهذه الكفاءات دون الاستفادة منهم على الوجه الصحيح.

حين ينتدب استشاري في أمراض القلب من الرياض للعمل مثلاً في مدينة عرعر لمدة عام واحد ويمنح تذكرة أسبوعية لزيارة عائلته والاطمئنان عليهم ومتابعة أبنائه في المدارس التي اختارها، ويكون هنالك بند خاص يسمح في زيادة مرتبه في هذا العام فإن الفائدة ستكون عظيمة لتلك المنشأة الصحية التي يستطيع الخبير ابن الوطن وضع الأسس الحقيقية للتطوير والتدريب، بدلاً من البحث الدائم عن مقيم له أجندة مختلفة ولن تستطيع أن تجد الطبيب الكفؤ الذي يقبل بامتيازات الوزارة الحالية للعمل خارج المدن الرئيسية. تخيّل لو تم انتداب خمسة أطباء من تخصصات مختلفة في نفس المستشفى.

لك أن تقدّر الفائدة العظيمة، ولك أيضاً أن تقّدر المبلغ الإضافي الذي تحتاج الوزارة أن تنفقه على مثل هذه المشاريع والذي لن يزيد بحال من الأحوال عن قيمة أجهزة أو معدات طبية تم توريدها وركنها في مخازن الوزارة ولم يتم الاستفادة منها.

إن الحلول الكفيلة بتحسين هذه الخدمات لن تكون اعتيادية، بل يجب أن تكون جذرية وجريئة ومختلفة تماماً عمّا كنا نشهده في السابق، كثير من القوانين يجب أن تشّرع وكثير من البنود يجب أن (تسمح). إن الأفكار الرائعة التي تحملها العقول المبدعة والراغبة في إحداث التغيير يجب ألا تصطدم بقانون أو بند (غبي) لا يسمح بذلك.

حينها ربما نجد أن الرأي العام بدأ يلمس التغيير وربما يبدأ هواة الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي في إطلاعنا على صور وتقارير أخرى مختلفة ومبهجة.