دخلت إيران بعد الاتفاق النووي في مرحلة التعامل مع الحرائق التي أشعلتها في الدول العربية، وبالتحديد في العراق وسورية واليمن التي كانت تستخدمها كأوراق ضغط في تفاوضها مع الدول الكبرى. وكانت إيران تستفيد من الحرص الدولي على المفاوضات؛ مما أشعر أتباعها في المنطقة أنّهم محصّنون دولياًّ. وكان ذلك واضحاً عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، حيث سقط آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، وذلك رغم تحذير أوباما شخصيّاً بأنّ استخدام الكيماوي خط أحمر.. غير أن النظام السوري تجاوز كل الخطوط الحمر من دون أن يصدر عن المجتمع الدولي أي قرار رادع، رغم الويلات التي يتعّرض لها الشعب السوري، ومع التدخّل العلني والصريح لإيران وحزب الله في الصراع ضد الشعب السوري.

الأمر عينه كان في العراق منذ اتفاق أربيل عام 2009 الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية مباشرة، وكانت نتيجته ضرب العملية الانتخابية التي فاز بها تحالف علّاوي لمصلحة المالكي الذي أنتج فساده "داعش وأخواتها" وما تشهده العراق كل يوم من مآس وتشرّد وانهيارات، ثمّ قيام التحالف الدولي من أجل إعادة العراق إلى إيران والسماح لقاسم سليماني بإدارة المعارك مباشرة، ومعه الحشد الشعبي الشيعي.. مما يعطي "داعش" أسباب قوة لأنّ المواطنين العرب سينتقلون من إرهاب داعش الى إرهاب الحشد الشعبي، وليس إلى أحضان الدولة العراقية غير الموجودة تقريباً بسبب الشراكة الإيرانية الأميركية على تفكيك الدولة العراقية منذ 2003 حتى الآن.

أما اليمن، فأمرها لا يشبه سورية والعراق لأنّ التحالف العربي لدعم الشرعية تدخّل في اللحظة المناسبة قبل سيطرة إيران على الدولة اليمنية والتحكم بشرعيتها تجاه العالم كما هو حاصل في سورية والعراق، إذ إنّ الشعب السوري يحلم منذ أربع سنوات بقرار أمميّ يشبه القرار 2216 الخاص باليمن، وهذا يفسّر أهميّة حماية الشرعية اليمنية، في حين أنّ إيران استطاعت التحكم بالشرعية السورية والعراقية وتعطيلها في لبنان وفلسطين. ولذلك شكّل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن خشبة خلاص حقيقية لليمن، وإنّ الحوثيين وجماعة صالح ليس لديهم طريق إلى إيران وليس أمامهم سوى القرار الدولي الذي يغطّي التحالف العربي.. وهذا ما بدا واضحاً بدءاً من تحرير عدن وصولاً إلى لقاء وزير الخارجية المصرية مع الوزير عادل جبير في جدّة أول من أمس والذي جاء نتيجة طبيعية لنجاح قرار الحزم رغم كل التأويلات والتحليلات والتردّد من هنا وهناك.

إنّ الأيّام المقبلة ستكون صعبة على إيران، وخصوصاً في الداخل الذي حكم لسنوات تحت شعار "الموت لأميركا"، مستفيداً من العقوبات الدولية لتصفية كل الأصوات التي كانت تصرخ من الجوع والانهيار الاقتصادي، إضافة إلى الفساد الموصوف لأجهزة الحرس والباسيج. واستفادة إيران من العقوبات في قمع الداخل ليس جديداً؛ فالمعروف أنّ العقوبات على القذافي ساعدت على تسلطه على معارضيه وأطالت عمر النظام الليبي لسنوات طويلة، انتهت بتقديم النووي الليبيّ هدية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، هذا بالإضافة إلى طموح أتباع إيران بحصة من كعكة رفع العقوبات التي صرفت كلها تقريبا في الصفقات التي عقدت بين الأوروبيين والأميركيين مع إيران التي تحتاج إلى مئات المليارات كي تعود كما كانت قبل 40 عاما.

جاءت تطورات تركيا الإرهابية على الحدود مع سورية إحدى أولى نتائج الاتفاق الإيراني؛ لأنّ تعاظم المصالح بين تركيا وإيران بلغ عشرات المليارات سنوياً، وكلّها كانت نتيجة العقوبات التي زالت الآن وزالت معها المصالح التركية الإيرانية، فكان من الطبيعي أن تتحضر لمثل هذا اليوم، إذ كان اللافت انتشار نصف قواتها العسكرية على الحدود السورية. وكان ذلك الانتشار بالتزامن مع الساعات الأخيرة لتوقيع الاتفاق النووي، وهنا أعتقد أنّ التطوّرات على الحدود التركية السورية ستضع تركيا أمام تجربة عاصفة الحزم في اليمن مع تأخير دام أربع سنوات كانت نتائجها كارثية على الدولة والشعب السوري.

تبقى العلاقة الإسرائيلية الإيرانية الأكثر تعقيداً والتي لا بدّ من أن تقطف إسرائيل نتائج استقدامها لإيران إلى المنطقة نتيجة بقائها في لبنان 18 سنة بدون أسباب، إذ إنّ عملية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 حقّقت أهدافها خلال أسابيع قليلة، حيث خرجت منظمة التحرير من لبنان، وكان من الطبيعي أن تخرج إسرائيل تنفيذاً للقرارات الدولية التي تدعو إلى انسحابها. الأمر الواضح أنّ إسرائيل أرادت تجديد الصراع على قواعد جديدة، وهي تقديم القضية الفلسطينية هديّة لإيران مقابل تجديدها الصراع مع إسرائيل لاختراق الوجدان العربي وإظهار العرب عاجزين، وأنّ إيران وحدها قادرة على استعادة القدس وتحقيق كل الأهداف.. ولكنّ هذا الوهم سقط الآن بعد أن أصبح الطريق إلى القدس يمرّ عبر الزبداني والقلمون وحلب.

علينا أن نتوقع تموضع إسرائيل في النزاع السوري، وهي التي اعتبرت الاتفاق النووي يهدد أمنها، وهذا يعني الوجود الصاروخي الإيراني على حدودها الشمالية.. وقد نشهد تطوّراً عسكريّاً لملاقاة التطوّر على الحدود مع تركيا.. وبذلك يكون الصراع السوري بين جنوبه الإسرائيلي والأردني وشماله التركي يضع إيران في مواجهة مع حلفائها في سورية من اللبنانيبن والعراقيين، إضافة إلى الشعب السوري الذي يحتاج إلى عقود طويلة ليخرج من محنته الكارثية، وهذا يدفعنا إلى توقّع حرب مصالح في المشرق العربي بين إسرائيل وتركيا وإيران.