"لو علمت الدار بمن زارها فرحت/ واستبشرت ثم باتت موضع القدم".. بهذا البيت يبدأ عبدالمجيد عبدالله موّالاً لأغنيته "أهلاً بمن زارت ولا همّها شي". الأغنية التي كانت من جذوة روح طاهر حسين، كلماتٍ ولحناً، فكانت مع صوت عبدالمجيد فنّاً عبقرياً فريداً وحقيقياً، وليت الذين زاروا الفنّ بعدهم لم يضلّوا عن طريق الأرض. والله ما كانوا خسروا حسّهم بالأيام والحياة والإنسان. الأرض تعرف رغماً عن الشعر والأغنيات بمن قد جاءها. الناس فقط هم من يضلّون عن هذه المعرفة!.

• أهلاً بمن زارت ولا همّها شي/ من شوقها طارت على صهوة الريح./ ساعة سجى طرف الدجى وانتشى الضي../ ضحك الخزامى وازهر الفلّ والشيحْ." .. وألف ألف أهلاً يا طاهر، فقد كنت دوماً الذي لا يهتمّ لشيء مهما كان، وأيّاً كان. هو هدفٌ واحد فقط عشتَ وأنت تكترث له؛ كل ما هو حيّ، هذا هو الذي زرت أرضنا دون أن تهتم لشيءٍ سواه. كل ما هو حيّ يا عميق الروح والحياة.. وليس سوى ذلك!.

http: //www.4 shared.com /file/45161596/ 45423edf /_____.html

• بالله عليكم.. كيف لنفسٍ مثل هذه أن تنسج وتغني هذه الكلمات، إلا وقد صهرتها نار الصدق والدهر، نفسٌ أدارت ظهرها للألقاب والمال والشاشات، وسخرت من كل ما يتنازعون عليه من المجد الهشّ. نفسٌ رضيت بالفنّ والحياة دونما زوائد، وأحسّت بالأرض التي تمشي فوقها كما لم يحسّ بها مثلها، فانحازت للصمت والعزلة، ولم تلتفت يوماً إلى ما يظنه الجميع فقداً وخسارةً أو ندماً!.

• طاهر حسين، بسبعين سنة، يحملها على ظهره وكفّيه، علّمهم واحداً واحداً كيف يضعون أصابعهم على قلب الموسيقى، وأخجلهم واحداً واحداً بفرادته وصدقه.. وربما - وهو كأي نفسٍ عظيمةٍ - بالكاد يجد قوته وقوت بيته.. هذا هو طاهر الذي جاء كبيراً، ولا يريد شيئاً أكثر من أن يذهب كبيرا، ومن حقّه علينا وعلى الأرض التي عرفته - نفساً حرّةً.. زارتها ولا همّها شي - ألا يذهب إلا كما يريد!.

• إليك يا عبدالمجيد؛ حين تصير أنت في السبعين والثمانين وأكثر، لن تستمع إلا لـ"أهلاً بمن زارت" وما يشبهها، وهكذا يفعل التاريخ دائماً؛ لا يهتم إلا لما هو قوّي ونافذ!.

• وإليك أنت يا طاهر، سأترك لك هذه الكلمات التي تركها المفكر الجميل علي سعد وطفة في كتابه "الاغتراب والأنسنة في مفهوم الفردانية".. قال: "الفردية هي صورة الإنسان الذي يتمايز عن الجماعة أو الآخرين بطريقة تفكيره وعمله ونظرته للوجود".. وأهلاً للأبد بنفسك التي زارت ولا همّها شي!.