تُعدّ صناعة أفلام الكارتون التي تحولت تسميتها مؤخرا إلى (الأنمي Animation)، من الصناعات الأكثر رواجا وربحية وتأثيرا في المجتمعات والعقول الناشئة على مستوى العالم، ووسيلة أدلجة عميقة في تكوين عقليات الأجيال، حتى لكأنها ترسم وجه المستقبل من خلالهم، بل وتفعل أكثر من ذلك.

وتعود انطلاقة صناعة أفلام الكارتون الحقيقية وظهورها على المسرح السينمائي إلى فترة العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي، كنقطة مهمة أسست لشخصيات كارتونية أخذت شهرتها عالميا كالبطل (باباي)، الذي سبقته إلى الظهور شخصية فتى نيويورك (نيمو الصغير)، ثم تلاها ظهور (توم وجيري) التي تُعد من أهم الشخصيات الكارتونية المؤثرة.

في عالمنا العربي تُعد أفلام الكارتون عنصر الجذب والتسلية الأول والأقوى حضورا لدى أطفالنا، فهم يقضون ما بين ست إلى ثماني ساعات يوميا تقريبا وربما أعلى من ذلك عند بعض الأسر في بعض المناطق، ويهتم كثير من الأطفال بمواعيد عروض بعينها أحيانا، وهو معدل عال وخطير جدا بالنسبة إلى عقلية طفل، فالطفل دون الثامنة يعجز عن التمييز بين ما هو واقع وما هو خيال، ولذا فالناتج بالعادة قد يكون سلبيا على مستقبل الطفل وإلى حد بعيد، ويرتبط ذلك ارتباطا وثيقا بذاكرته ووعيه ولا وعيه معا، ما يؤثر على الحالة الطبيعية للطفل، مخلفا اضطرابات خطيرة على نفسياته نتيجة ارتباك مواعيد النوم والاستيقاظ، وما يتخللها من كوابيس وأزمات نفسية وفقدان للشهية وشعور دائم بالتعب، والأخطر من ذلك يتمثل في خط سير نمو وعي الطفل باتجاه الشخصية المرتبكة المهزوزة ربما، أو الشخصية العنيفة القاسية.

يحدث ذلك بينما لا يدرك غالبية الأهل خطورة ما ينشأ عليه أطفالهم، نتيجة ضعف خلفيتنا عن الإشارات الكامنة بين ثنايا كثير مما يعرض في تلك الأفلام. وعلى الرغم من ذلك الخطر نتعامل مع المسألة بكثير من اللامبالاة، حتى أصبحت قنوات أفلام الكارتون المنفى "الطبيعي" -أو هكذا نظن- الذي نقذف بأطفالنا إليه؛ لأن أفلام الكارتون في ثقافتنا العربية للأطفال وليست للكبار، مع قلة وعينا بما ينبني على ذلك من أثر.

المشكلة تكمن في ماهية ونوعية ما يُعرض من محتوى ومن قوالب شخصيات، ورمزية تلك الشخصيات وأهدافها، فحجم أفلام الأكشن العنيفة مثلا، وهي المبنية على لقطات ومشاهد استخدام السلاح والقتل المرسلة إلى عقول أطفالنا، يعني صناعة شخصيات عنيفة كامنة داخل أطفالنا دون أن نشعر.

وازدياد إنتاج أفلام العنف والقتال الكارتونية في السنوات الأخيرة، وكذلك شخصياتها إلى عشرات بل مئات الأضعاف، والتي أصبحت محل رواج كبير بين الأطفال الصغار واليافعين، يوحي بأن هناك أمرا ما، والدليل ما نشاهده من تحولات سياسية وعسكرية عنيفة في منطقتنا العربية.

ولأكون منصفا هناك نسبة مهمة من أفلام الكارتون تندرج تحت خانة المفيد والضروري أيضا، وهي تلك النوعية التي تراعي جانب التربية والتعليم قبل التفكير في الربحية المالية على حساب مستقبل الأطفال، لكنها تظل الأقل بكل أسف، فالنسبة الغالبة من أفلام (الأنمي) في الوقت الراهن وواقع الحال يقولان: إن أطفالنا يدمنون مشاهدة أفلام الكارتون كيفما اتفق، وهذا يفسر سبب "كرتنتهم" الذهنية العقلية حين يكبرون.

أكتب إليكم هذه المقالة، وأنا أعاني مشكلة قلة السيطرة على الأمر مع أطفالي، خاصة في ظل تعدد وسائل الاتصال، لكنني قررت أن أضع جدولا صارما ينظم أوقات متابعتهم لأفلام الكارتون، والانفراد بأجهزة الاتصال المحمولة على مدار الأسبوع، أملا في تطبيق نظام متوازن يحقق لهم تنشئة طيبة. والله المستعان.