يأتي عند محبي الشعر الشعبي على قائمة المفضلين دوما، إن لم يحتل رأسها، ويأتي عند الشعراء الشعبيين أستاذا يتدارسون "تكنيكاته" الشعرية والتقاطاته المكتنزة بالبلاغة الجزالة والقدرة على الإدهاش.
وحتى والشاعر سعد بن جدلان الأكلبي يقترب من عامه السبعين ما زالت شاعريته تتقد وما زال قاموسه معبأ بالكلمات والجمل والتراكيب اللغوية، وباتت بعض أبياته الحكيمة من أمثلة المجالس.
المدهش حقا في شخصية الشاعر "بن جدلان" ليس شعره، بل أميته، فهو لم يعرف طريق المدرسة. نشأ في بيئة ريفية في منطقة بيشة وفاته قطار التعليم، لكنه أصبح اليوم قائدا لقطار الشعر. تقرأ في قصائده ثقافة متسعة ووعيا كبيرا وفلسفة، إذا كانت الشاعرية فطرة.
هناك من يصنف "بن جدلان" بأنه ظاهرة، وهناك من يطلق عليه لقب "البعبع" و"العبقري"، وهو يستحق كل الألقاب، فهو الشاعر الذي لم يقرأ يوما لابي تمام ولم يعرف المتنبي إلا سماعا، ومع ذلك تداخل مع شاعرية طرفة بن العبد الجاهلي حين قال: وإن ناصح منك يوما دنا/ فلا تنأى عنه ولا تقصه، فقال: لا تمنع الناصح ليا قال ياخي/ خذ ما يفيد وزايد الهرج طوفه.
تتعدد التفسيرات في حالة بن جدلان "الأمي" مع الشعر المثقف الفاخر، ويذهب البعض إلى أنه بسبب "الجني" الذي يتلبس الشاعر، وهو بالمناسبة شاعر، أي "الجني"، كما هو دارج في الموروث العربي، وإن صدقنا هذا التفسير "جدلا"، فمرحبا بالشاعر الجني الذي يهبنا مثل هذه الصورة والمجاز: يدك لا مدت وفاء لا تحرى وش تجيب/ كان جاتك سالمه حب يدك وخشها، وليت "بن جدلان" يتوسط عند صاحبه الجني، ليرسل نفرا من الجن إلى بقية شعرائنا المثقفين، لعلهم يرشدون.