من بين رفوف مكتبتي المنزلية، ذهبت فورا إلى كتاب الأخت الغالية، سارة مطر "أنا سنية.. وأنت شيعي" عن مذكرات طالبة سعودية في البحرين لأهديه للصديق الغالي "أبوعبدالعزيز"، فما هو الكتاب ومن هو هذا الصديق وما هي القصة؟ في المهد الطفولي ولد "أبوعبدالعزيز" في قرية جبلية مجاورة، وقبل أن يستطيع أن ينطق جملة واحدة فصيحة أخذه والده المهاجر إلى إغراء "المنطقة الشرقية" في بدايات "الأمل والتكوين". ومن قرية واحدة في جبل عسيري تمكن أربعة أن يصلوا في المهجر الجديد، من الجيل الثاني، إلى أربعة مناصب: وكيل إمارة المنطقة، ونائب رئيس شركة أرامكو، ووكيل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وآخرهم صاحبي الذي أهديت له الكتاب، مهندس لامع من أبناء جامعة البترول تنقل حتى اللحظة في إدارة شركتين عملاقتين. كل هذا خراج قرية واحدة، فلماذا أهديته الكتاب وما هي القصة؟

أهديته الكتاب لأنني أريد أن يقرأ فيه قصة والده الذي هاجر حافيا أميًّا مع العشرات من "بني قريته" ثم بنوا هذا النجاح الاستثنائي لأولادهم في زمن لم تكن فيه معركة التقابلية المذهبية البشعة ذات أي قصة في المهجر "الشرقاوي الجديد".

أهديته كتاب، سارة مطر، كي يقرأ فيه رحلة أبيه، رحمه الله، عندما كان ينام في المساء ذات زمن بعييييد، آمنا مطمئنا، يطلب البراد في واحات القطيف، ولكي يستعيد "أبوعبدالعزيز" بعض قصص مهاجري قريته الذين كانوا يصلون الجماعة في مساجد تاروت والعوامية بلا خوف أبدا أبدا من حزام ناسف أو قنبلة جسدية طائشة متطرفة. أهديته الكتاب كي يقرأ في أوراقه قصة التطرف التي ألغت في عشرين سنة كل هذا التسامح والتعايش الذي عاش في ذات المكان لألف سنة. كان "أبوعبدالعزيز" طالبا ذات زمن في فصول جامعة البترول عندما كانت نسبة الطلاب في ذات الفصل تنقسم ما بين مذهبين ولكن: لأبي عبدالعزيز، نفسه، أن يقرأ إلى أين وصلت هذه النسبة في ذات القاعة التي يدرس بها ابنه من الجيل الثالث المهاجر من قرية جبلية إلى ما كان ثانية من بدايات "الأمل والتكوين".

أختم بقصة شقيقي الغالي الذي يعمل اليوم طبيبا استشاريا بمستشفى أرامكو في الظهران، توفي والد أحد موظفيه وكان على "شقيقي" تقديم واجب العزاء في القطيف، يذكر لي كم كانت الرحلة القصيرة من الظهران إلى القطيف متعبة وطويلة، وكيف كانت الدقيقة تتحول إلى ساعة. هنا قصة التطرف لأن والد "أبوعبدالعزيز" كان يهرب في الليل إلى نخيل القطيف لا ليطلب البراد فحسب، بل لكي يطلب الأمن.