يدهشك أن نوري المالكي، الرجل الذي جر العراق خلال فترة رئاسته الطويلة للحكومة إلى مستنقع الطائفية، هو نفسه الذي يتهم السعودية بالطائفية! ويدهشك أكثر أن هناك من ينشر مزاعمه دون أن يشير إلى سجل صاحبها المليء بالقرارات والمواقف والتصريحات المشبعة بالعنصرية، والتي كان من نتائجها تحويل السياسة العراقية إلى مجرد صدى لصوت إيران في المنطقة!

قديما؛ ظن البعض أن المعارضة العراقية التي اكتوت بقمع صدام حسين فتشتت بين السجون والمنافي، سوف تقدم حين تتبوأ مقاليد الحكم – حتى ولو جاءت على ظهر الدبابة الأميركية - نموذجا ديموقراطيا قادرا على احتواء مكونات الشعب العراقي، ومن ثم تعويض الجميع عن سنوات الحروب والدمار، غير أن قدوم المالكي إلى رئاسة الحكومة في عام 2006، بدعم مباشر من إيران والمرجع الشيعي علي السيستاني قضى نهائيا على هذا الأمل؛ بعد أن تبنى الرجل سياسة انتقامية طالت حتى بعض حلفائه المقربين.

لقد أصر المالكي منذ اليوم الأول لوجوده في الحكم على أن يكون ابنا وفيا لأفكاره الطائفية المغلقة، فكان –على سبيل المثال- صاحب قرار إعدام صدام حسين صبيحة عيد الأضحى المبارك في مشهد موغل في طائفيته. كما كان المشرف على بناء الأجهزة الأمنية على أسس الولاء الطائفي المطلق، بل إنه منح رجال الميليشيات التابعة لحزبه (الدعوة) وللمجلس الأعلى للثورة الإسلامية أعلى المناصب مع تغاضيه عن جرائم التطهير الطائفي والمذهبي  التي تمت في عهده، خصوصا ضد السنة، الأمر الذي مثل –في تقدير كثيرين– الباب الحقيقي الذي أطلت منه الطائفية في ربوع المنطقة.  

أكثر من ذلك، لم يخف المالكي طوال سنوات حكمه انحيازه الطائفي، فأظهر من المواقف والسياسات ما يتناقض مع الإرادة الشعبية، بل وما يهين الوطنية العراقية العريقة، ومن ذلك تأييده الفج لنظام بشار الأسد الدموي بدعوى أن الأخير يتعرض لمحاولة إسقاط خارجية، دون أن يأخذ في اعتباره أن هذا المنطق يرتد إليه  بالدرجة الأولى باعتبار أنه كان في طليعة من لجؤوا إلى القوى الأجنبية كي تسقط الحكم البعثي.

ورغم أن المالكي مبعد حاليا عن عملية اتخاذ القرار، إلا أنه لا يتوقف عن استغلال منصبه الشرفي  كنائب لرئيس الجمهورية، للمزايدة السياسية والأخلاقية على الدول التي تتصدى للمخطط  الإيراني، وفي مقدمتها السعودية، متصورا أنه بذلك قد يغطي على تاريخه الطائفي المقيت، أو أن مهاجمة الكبار قد تفتح أمامه باب العودة إلى المنصب الذي طُرد منه مهاناً في أغسطس الماضي. 

بقول آخر، يمثل المالكي نموذجا للطائفية التي تلقي بما فيها على الآخرين، أملا إما في تشويههم أمام العالم بمزاعم كاذبة أو طمعا في جرهم لقضايا جانبية تلهيهم عن معاركهم الكبرى، والحمد لله أن السعودية تملك رصيدا إنسانيا وسياسيا يحميها من التشويه، كما أنها ليست من الدول التي تستجيب لهذا التصاغر الذي لا يليق إلا بالصغار.