هناك اتجاهان واضحان لطرفي عملية اللوم التي تدور رحاها في الأوساط الثقافية والاجتماعية المحلية، فطرف يرى بأن داعش هو نتيجة حتمية للتوجه الصارم الذي سيطر على النهج التعليمي والدعوي في المملكة، وطرف يقابله يرى أن هذا القول لا يصدر إلا عن صهاينة محليون وعملاء لخارج فارسي اللون أحيانا وغربي الملمح أحيانا أخرى، وأن داعش وأشباهه ليس سوى نتاج محلي، بل نتيجة استفحال مرض سرطاني مكون من عقلية متطرفة وأجندات سياسية تحركها المصالح الإقليمية والدولية.

مشكلة الطرفين أنهما يقومان بتحليل المشهد والموقف الداعشي من منطلقات أيديولوجية بحتة، فالطرف الذي يرجع نشوء داعش للداخل المحافظ ينطلق من كونه يؤمن بأن التغلب على الخصم المحافظ الذي طالما منعه من أن يكون له ولصوته مكان في الأوساط الرسمية والشعبية لن يتأتى إلا من خلال شيطنته، وتحويل منطقه الفكري لمرض سرطاني في عقلية الرسمي والشعبي، تماما كما قام به ذلك التيار تجاهه لعقود طويلة، في حين يرى التيار الرافض للاتهام والذي لم يكن ليعترف بخطأ منهج بعض أتباعه من منطلق قناعته بأنه وكيل لله في الأرض وأنه صاحب الكلمة والحق المبين حكر له بفعل القدر، يرى بأن المهم في القضية ليس تحديد محركي وممولي داعش ومسببي نشوء هذا الكيان بل المهم هو تجريم أي طرف يعمل على اتهامهم بما يرون أنه ليس فيهم، على الرغم من أن كثيرا من أتباعهم يجدون عشرات المخارج والتبريرات لأعمال داعش وأشباهه ويعملون بشكل ممنهج على التقليل من حجم جرمهم وضلالهم.

أزمتنا إذاً ليست فقط في أننا تهنا في تحديد المسبب الحقيقي الذي ساعد على نشوء وتمدد داعش بل غرقنا في تحليل متطرف لطرفي المجتمع، والذي إن دل على شيء فهو يدل على أننا نواجه مشكلة متأصلة في العقلية المجتمعية تتلخص في كون كل طرف من أطراف المجتمع يرفض أن يتعامل مع الطرف الآخر إلا باعتباره عدوا يجب تصفيته، وأن الحوار الذي طالما تغنى به البعض ما هو إلا شعار لم يستطع المجتمع تقبله أو فهمه لأسباب من الواضح أنها تعود لتنشئة مجتمع يرى أنه هو ولا غير المقصود بخير أمة أخرجت للناس.