د. سلطان التمياط


الذي دعانا إلى عدم الخوض في هذا الجدل الطويل حول ظاهرة مرض كورونا هو حال العبد الفقير إلى الله وخشية أن يكون لدينا conflict of interest (تضارب المصالح) بإبداء الرأي، فأنا الطبيب المهتم الصحة العامة والبحث العلمي وفي نفس الوقت مالك للإبل التي تمثل لي الامتداد الطبيعي لحياة العربي منذ الأزل مرورا بعصر النبي محمد عليه الصلاة والسلام وصحابته الكبار الذين نشروا المحبة والسلام في أصقاع الكون على ظهور الإبل والخيل. بالإضافة إلى ما كانت تمثله الإبل من قيمة عظيمة تمحورت حولها كل ثقافة القبائل العربية العريقة في جزيرة العرب حتى عصر ما قبل النفط.

كورونا ذلك الوباء الذي تعاقبت عليه ثلاث وزارات وباستراتيجية غير واضحة وبتصريحات أحيانا متناقضة ما زال يهدد الصحة العامة، وفي الفترة الأخيرة بدأ الحديث عن دور للإبل في هذا الوباء رغم عدم إثبات- حتى هذه اللحظة وبصورة علمية - كيف ينتقل الفيروس المسبب للمرض من الإبل إلى الإنسان. تنامت هذه الأصوات بعد إعلان وزارة الزراعة أن المسح الذي أُجري على عدد من الإبل أثبت أن 3،3? منها حاملة لهذا الفيروس دون إصابتها بأعراض المرض، وأنها قد تكون المسبب الرئيس له في ظل غياب أسباب أخرى.

ولو عدنا واستذكرنا ما حدث قبل عامين حين بداية ظهور المرض في المنطقة الشرقية، كانت بلادنا تشهد ذلك العام موسم ربيع زاهر في شمال المملكة، حيث قدر عدد الإبل التي وصلت إلى مراعي الشمال بما يقارب المليون وكان هنالك ترحال من جنوب ووسط المملكة إلى مناطق الربيع وهو امتداد لموروث أهل الإبل بالتنقل مسافات طويلة من أجل الكلأ والمرعى، في ذلك العام لم تسجل أي إصابة بين ملاك الإبل ومرتادي مراعيها ورعاتها في أي من مستشفيات مدن الشمال، بل إن المرض كان يتفشى بصورة مذهلة وفتك بالعديد من الزملاء الأطباء والعاملين في مستشفيات الشرقية، الوسطى والغربية، حدث ذلك بسبب الفشل الذريع في طرق ومحاذير الوقاية منه ومنع تفشي المرض داخل أروقة المستشفى ووصوله إلى زوار وأقارب المصابين، بينما استمتع كثير من أبناء البادية وكنت أحدهم بربيع ذلك العام وأكلنا لحومها وشربنا ألبانها وسرحنا معها.

نحن نعتقد أن هذا دليل قاطع وعملي يثبت عدم تورط الإبل بشكل مباشر في هذا الوباء، في الوقت الذي كانت فيه الأوبئة السابقة مثل أنفلونزا الطيور وبعدها الخنازير ثم جنون البقر تفتك وبشكل واضح بكل من هم في محيط تلك الحيوانات ثم تنتقل لغيرهم بعد ذلك. وهذا ما لم يحدث في حال الإبل. ولو قامت وزارة الصحة بمعاينة وفحص ملاك الإبل ومرتاديها ورعاتها لتبين لها حقيقة هذا الأمر.

قبل أقل من عام ظهر تفشٍ للمرض بشكل واضح في كوريا ومات العديد من المصابين في بلد ليس به ناقة واحدة، إلا أن الكوريين سيطروا على المرض بعد فترة أقل من أربعة أشهر وليتنا تعلمنا من تلك التجربة.

كورونا بإذن الله إلى زوال، أما الإبل فهي باقية في ضمائر ووجدان أهلها الحقيقيين الذين لا يصلكم صوتهم ولا تصلكم معاناتهم، والذين يخشون أن تتأثر أحوالهم ومعيشتهم بسبب ما يتم ترويجه من قرارات على وشك أن تتخذ من الوزارات المعنية قد تكون سببا مباشرا في تأثر اقتصاد أهل البادية الحقيقيين وليس بعض التجار الذين اتخذوها نموذجا للبذخ والرفاهية.