من سماحة الإسلام أنه يعزز التعاضد بين بني البشر. فزكاة المال مثلا ليست تفضل من أحدهم على أحدهم، بل هي تجارة مع الله عوائدها قد تبلغ عشرة أضعاف، وذلك وعد الله للمحسنين.

لكن ما يحزننا أن الكثير اتجهوا نحو مصرف واحد من الزكاة ونسوا أو تناسوا باقي المصارف، وما يحزن أكثر أن أغلب من يبذلون المال يعتقدون أن قمة الإحسان هو بناء مسجد ثم البذخ في تجهيزه وتشييده، حتى أضحت المساجد تنافس المولات والبقالات في بعض الأحياء من حيث كثرتها! فتداخلت أصوات المآذن وقلت الصفوف بحكم توزيع الناس وتفريقهم على عدة مساجد متقاربة أحيانا، فلا تبعد عن بعضها بضعة أمتار، وحتى لا يُفسر كلامي سلبا فأنا هنا لست ضد بناء المساجد، لكن ضد عشوائية بنائها وازدحامها في أحياء دون أخرى.. وبالعودة لعنوان المقال أقترح على المحسنين التنقيب عن الأسر المتعففة.

اذهبوا للمستشفيات الخاصة مثلا وتعقبوا من أنهكهم المرض وعجزوا عن سداد قيمة علاجهم. ابحثوا عن اليتامى وابتعثوهم على حسابكم حتى تكون لكم صدقة جارية من بناء إنسان وأسرة ومجتمع.. ابنوا الأربطة والمنازل ذات الأجور المنخفضة دعما لمشاكل الفقر والإسكان، وجهوا بوصلتكم نحو الخدمة المجتمعية الحقيقية ووسعوا زاوية رؤيتكم فالقُرب من الله -عز وجل- لم يكن حِكراً على بناء المساجد.. جملوا الحدائق المهملة، خاصة للأحياء الفقيرة، فهي متنفس لمن عجز عن إرسال أطفاله للاستجمام في لندن وباريس.. فاحتياجات الضعفاء بسيطة عليكم وذات قيمة لهم.

اذهبوا للمدارس الخاصة وابحثوا عمن تيتموا بفقد آبائهم أو أمهاتهم وادفعوا عنهم رسوم تعليمهم حتى تخف عليهم مرارة الفقد. حركوا جماجمكم وابذلوا من أموالكم ما تحبون، فالله أكرم منكم مهما اعتقدتم أنكم كرماء بأموالكم.. وكفى.