"امْ" التعريف، شائعة حتى اليوم في لهجات بعض نواحي جيزان وعسير، ونحن في ناحيتنا ننطقها غالبا، لكنا نضع مكانها "أل" أحيانا وفق قاعدة مطردة.

في زمن مضى كانت بيوتنا في جيزان مفتوحة على بعضها، ولأن الدور ليس لها أبواب يمكن قرع جرسها أو الطرق عليها فإنَّ أيَّ زائر أو ابن سبيل منقطع به يضطر للوقوف خارج البيت حيث يمكن سماع صوته وينادي قائلا: "أهل امبيت" فيأتيه الجواب من الداخل "أهله.. تفضل". قد يكون المجيب رجلا أو امرأة، لا فرق، ثم يطلب الزائر حاجته فيخرج بها الرجل أو الطفل أو تقف بها المرأة محتشمة على باب البيت وتناوله ويمضي.

قبل تسع سنوات أخذتني جولة عمل على قرى في جبال جيزان برفقة اثنين من زملائي "مطاوعة" وانتهى بنا المطاف إلى دار عامل في إحدى المدارس، يشبه دورنا قديما، انتظرنا بجانب البيت ونادينا : "أهل امبيت"، وقفت زوجُهُ على مدخل العريشة واضعة لثمتها على أنفها وفمها وقالت: "أهله.. تفضلوا". سألناها عن زوجها فقالت: إنه قريب ولن يتأخر، وألحّت علينا في طلب النزول لنشرب ماء على الأقل، قائلة: " نزلوا بالله، امبيت موجود وراعيه ييجي الآن". اعتذرنا وكنت أنا أشدّهم إصرارا على الانصراف.

انصرفنا وأثنى الشيخان على شهامتها، قلت لهم: كان نساء تهامة أكرم منها، لكن، بمواعظكم وأمثالكم وتواطئنا وأمثالنا، قضينا على هذا النموذج الإنساني الجميل، فلا يحق لنا أن نثني عليها فنفضح تناقضنا، ولا يحق لنا قبول ضيافتها لأننا أقل من ذلك.

أظن جيزان الآن تحاول بصعوبة استعادة نموذجها الأصيل.

تذكرت هذه الحادثة لأني أردت أن أناديكم، "الوطن" وقراءها: يا "أهل امبيت" بمناسبة انضمامي إليكم.

هناك قيم مشتركة بين دورنا قديما وبين "الوطن".