أذكر أنه في طفولتي كان أهم محفز لي للدراسة وأداء الواجبات بالشكل الصحيح هو رغبتي في تلقي الثناء والشكر من أحد أساتذتي وكان اسمه محمد شاهين، الذي ترك فيّ أثرا كبيرا من حيث أخلاقه وحسن معاملته وتحفيزي الدائم بشكره إياي لمجهودي، إضافة إلى طريقته الأبوية في التدريس حتى أني وقتها كنت أحلم بأن أكبر وأصبح أستاذا تماما كما كان هو.

الدراسة كانت العمل الوحيد الذي كنا -حينها- نقوم به خصوصا وأننا كبرنا في جو اجتماعي يتصف بكل أوجه المدنية، فلم نعتد على مساعدة أهلنا في الزراعة أو رعاية الغنم أو البيع في الأسواق الشعبية كما كان الحال مع من سبقونا، بل كانت الدراسة هي المدرسة العملية التي من خلالها زرعت فينا مفاهيم الالتزام والمواظبة والسعي نحو الإنجاز على أكمل وجه.

اليوم وبعد أن كبرنا وتعلمنا في مدرسة الحياة، تبقى مفاهيم التحفيز مرتبطة بسعينا الدؤوب؛ للحصول على الثناء من مديرينا ومراجعنا الوظيفية، فعلى الرغم من أن بعضنا قد يرى المحفز الأهم يكمن في الجانب المادي، إلا أن الأغلبية في تقديري يعملون مقتنعين بما يجنون منه ولكنهم غير مكتفين بما يردهم من الثناء والشكر والتقدير الذي هو الوقود الذي يجعل كل إنسان ينهض في الصباح ويذهب إلى مكتبه أو مصنعه أو مزرعته، ويقوم بأداء عمله على أكمل وجه.

هذا الثناء الذي يبحث عنه الموظف هو في الحقيقة الوسيلة التي عبرها يسجل الإنسان علامات تميزه عن غيره، فالسعي نحو القمة لا يكون من خلال كم يجني أحدنا من المال بل من خلال عدد الناس الذين يزكوننا في الحصول على ترقية، وكم الملحوظات الإيجابية التي يرددها أقراننا عنا، وعدد المرات التي امتدحنا مديرنا أمام مديره، هذه جميعها هي رأس المال الحقيقي في ارتقاء الفرد في سلمه الوظيفي.

كلمة الشكر يجب ألا تكون عصية على ألسنة البعض، بل يجب أن تكون وسيلتهم في التحفيز والدفع إلى أداء الأفضل؛ فهناك من يرى أن عدم الشكر يجعل الطرف المقابل يتنبه ويعمل بشكل أكبر ليجني الشكر المستحق، بينما الشكر في ظل طبيعة حياتنا المتداخلة ومسؤولياتها المتعددة يجب أن يكون المحرك الأولي والدافع الأساس لا النتيجة والمحصلة النهائية.

اشكر الناس وادفعهم بالحسنى، ولا تكن بخيلا في مجاملة من حولك، فكلمة طيبة كفيلة بأن تجعل من حولك سواعد معينة وجنودا مطيعة.