أعدّ مجلس الشورى مؤخرا رابطا إلكترونيا على موقعه في شبكة الإنترنت بهدف التواصل مع المواطنين، وتلقي عرائضهم التي تحمل مقترحات بناءة تخدم الصالح العام بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة! وعلى هذا الأساس وضع المجلس أنموذجا لكيفية تقديم المقترحات يتضمن المعلومات الشخصية وموضوع المقترح والغاية منه.

تعتبر هذه الخطوة من مجلس الشورى وسيلة من وسائل التواصل مع المواطنين، وهي تحسب للمجلس كخطوة جيدة في الاهتمام بمقترحات الناس، وبالرغم من أن الاستفسارات والمقترحات نجدها عادةً في جميع المواقع الإلكترونية للجهات الحكومية إلا أن إبرازها بهذا الشكل من قبل المجلس يعد نوعا من الاهتمام الجاد بالمقترحات وإعطائها أهمية خاصة، ويفتح بابا لقضية مهمة وهي تفعيل التواصل مع المواطنين.

ولكن ما يؤخذ على الرابط الإلكتروني لمجلس الشورى أنه ركّز على المقترحات التي تتعلق بالصالح العام، وإهمال المشاكل الشخصية التي تخص المواطنين، والتي اعتبرها المجلس مصالح ضيقة! ولا أعلم في الحقيقة ما الذي يقصده المجلس بالصالح العام والمصالح الشخصية الضيقة.

فالصالح العام هو الهدف الذي تسعى إليه أجهزة الدولة كافة، ذلك أن الهدف من وجود الدولة هو تحقيق الخير العام للجميع، وما سائر المؤسسات في الدولة على اختلاف أنواعها ودرجات أهميتها سوى وسائل لإدراك هذا الهدف. ومن الجدير بالذكر أن الصالح العام فكرة نسبية زمانا ومكانا، ولذا فلا يوجد لها تعريف جامع مانع، فهي فكرة يمكن الوعي بها في ضمير كل فرد وكل جماعة، وبالرغم من أن فكرة (الصالح العام) تستعصي على التعريف، إلا أنه كان من المفترض من مجلس الشورى توضيح المقصود بالصالح العام وتحديد معالمه ولا يترك بهذا الشكل الغامض.

وعلى أية حال، يمكن القول إن المفهوم السائد للصالح العام هو "صالح الجماعة ككل مستقلة ومنفصلة عن آحاد تكوينها"، وعليه قد تكون مجموع المصالح الشخصية في مجملها تكون الصالح العام للجماعة، وهذا ما أغفله مجلس الشورى للأسف الشديد.

فعلى سبيل المثال، قد يكون في زيادة الموارد المالية للدولة تحقيق للصالح العام، نظرا لما يعود على المجتمع من خدمات إضافية نتيجة هذه الزيادة المالية، ولكن إذ كانت هذه الزيادة تمت على حساب الحريات العامة والحقوق الفردية، فإنه يكون من المصلحة العامة الاستغناء عن تلك الزيادة في سبيل المحافظة على حقوق الأفراد وحرياتهم العامة.

ولهذا عندما يشتكي مواطن من سوء الخدمات الطبية على سبيل المثال، لعدم وجود سرير أو تباعد المواعيد الطبية أو من الأخطاء الطبية، فقد تكون هذه المشكلة موجودة في العديد من المستشفيات، وبالتالي تصبح معالجة هذه المشكلة من الصالح العام، ومن خلالها يستطيع مجلس الشورى مساءلة وزارة الصحة بخصوص هذه المشاكل التي يعاني منها المواطنون، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يكون هناك نقص في التشريعات والأنظمة الخاصة بالقطاع الصحي قد سببت تلك المشاكل، وبالتالي يستطيع مجلس الشورى دراسة هذه الأنظمة من خلال تلمس واقع مشاكل المواطنين. ومن هنا يتضح أهمية التواصل مع المواطنين والتفاعل مع مشاكلهم الخاصة التي هي في الحقيقة تمثل الصالح العام للدولة، وبالتالي لا يصح من مجلس الشورى تسمية تلك المشاكل بالمصالح الشخصية الضيقة.. هذا من جانب.

ومن جانب آخر، فإن مجلس الشورى غير فاعل ونشط في التواصل مع المواطنين، فعلى سبيل المثال نجد الحساب الرسمي للمجلس في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، ينقل فقط أخبارا عامة للمجلس وبعض تصريحات الأعضاء ولا نجد أي تواصل على الإطلاق مع المواطنين ومشاكلهم!

بالإضافة إلى ذلك فإن وضع مجلس الشورى المقترحات التي تخدم الصالح العام قد تكون غير مفيدة في ظل نقص الشفافية من قبل المجلس، فهو لا ينشر مقترحات ومسودات مشاريع الأنظمة واللوائح وكذلك خطط التنمية على عموم المواطنين، وبالتالي ليست هناك مشاركة في صياغة تلك الأنظمة أو إبداء الملاحظات عليها.

فإذا كان من ضمن مهام مجلس الشورى مناقشة الخطة العامة للدولة، وعليه يناقش السلطة التنفيذية فيما وضعته من بنود تتضمنه الخطة، كما أنها قد تقتضي سن أنظمة جديدة في مجالات معينة، أو تعديل بعض الأنظمة القائمة، وقد أوجب النظام أن يطلع المجلس على الخطة العامة للدولة وإبداء الرأي في شأنها، بوصفه شريكا أصيلا في السلطة التشريعية، بالإضافة إلى حق مجلس الشورى في مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى كنوع من المساءلة.

وبالطبع فإن مجلس الشورى يحتاج إلى معرفة واقع الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية، حتى يستطيع إبداء الرأي في خطط التنمية، وكذلك مناقشة التقارير السنوية للجهات الحكومية، ومن أفضل الوسائل للتعرف على هذا الواقع هو التواصل مع المواطنين ومعرفة مشاكلهم، خاصة أن المجلس بحاجة إلى تطوير دوره الرقابي بما يضمن معالجة نقاط ضعف بعض الأجهزة الحكومية وقصورها.

وفي هذا الصدد، أشار أحد الباحثين إلى أن مجلس الشورى ليس لديه "المعلومات الدقيقة ولا الكادر القادر على البحث المتعمق والدراسة الشاملة، ولا جود للآليات المناسبة التي تمكنه من التقويم العادل"، بالإضافة إلى أن المجلس "لا تتوافر لديه الإمكانات الكافية للاستقصاء بتوسع والدراسة بدقة والتقويم الصحيح وإصدار القرارات بموضوعية، فتقويم الأداء الحكومي يتطلب وجود رؤية موضوعية واضحة".

وحتى يقدم مجلس الشورى مساهمات كبيرة لمجتمعنا من خلال إلزام الأجهزة الحكومية بالمساءلة والنزاهة والشفافية، يجب أن يكون المجلس قادرا على التواصل مع المواطنين، ومن هذا المنطلق، على المجلس استخدام كل الوسائل المتاحة والمستجدة في مجال تقنية الاتصالات والإنترنت لتعزيز التواصل البناء مع المواطنين من خلال وضع آليات لتلقي ورصد الشكاوى حول البرامج الحكومية واقتراحات تحسين الإدارة العامة والخدمات، وذلك بهدف تحديد المجالات التي يركز عليها عمل الرقابة مستقبلا.