رغم الأجواء الضبابية والمستقبل غير الواضح المحيط بكل المؤسسات الثقافية، إلا أنه يحق لنا أن نتفاءل خيرا بالمستقبل. ولكن من المؤكد أن التفاؤل ليس كافيا وحده، فلابد من عمل وعمل كبير لتغيير واقع الفعل الثقافي المحلي الذي لا يتناسب إطلاقا مع الحراك الاجتماعي وعدد ونوعية المبدعين في جميع المجالات. أضف إلى هذا، النمط التقليدي الذي ما زالت تدار به كثير من هذه المؤسسات، والذي لم يعد مناسبا لحركية وحيوية العصر الحاضر.

المبدع الشاب (من الجنسين) لم يعد يهمه أن يحضر فعالية تدفع من أجلها المبالغ الطائلة وتجند لها الجهود، ربما لعام كامل، ثم في النهاية يجتمع علية القوم من الرسميين وبعض مثقفي الثمانينات والتسعينات وأكاديميي الجامعات ليومين أو ثلاثة يلقون دروسا أكاديمية على بعضهم بعضا ثم ينفض السامر، ويبدأ السبات العميق في انتظار فعالية أخرى بعد أشهر. هذا الشاب يريد ـ كما أعتقد ـ مكانا يجتمع فيه بشكل مستمر مع زملائه من المبدعين وأساتذته من المثقفين ولو في إحدى زوايا شارع عام، يسمع شعرا أو قصة أو يرسم لوحة أو يستمع إلى مقطوعة موسيقية أو ينفذ عملا مسرحيا ولو قصيرا، يريد أن يعرف من خلال احتكاكه بالآخرين إلى أين وصل مستوى إبداعه.

والأهم ألا تمارس ضده أي وصاية اجتماعية أو ثقافية أو رسمية.

أكاد أجزم أنه لو وفرت الحكومة مثل هذه الأماكن للجميع، لاستغنينا عن أي مبان ضخمة "خاوية" في كثير من الأحيان للأندية الأدبية أو جمعيات الثقافة والفنون. ولوفرنا كثيرا من المال والجهد، وحتى الصراعات على كراسي هذه المؤسسات ستختفي نهائيا، لأن الجميع هنا سواسية، لا يهمهم سوى تقديم الإبداع والتفاعل مع الآخرين والتنافس الشريف في مجال الابتكار والتجديد وجذب المتلقي.

ولكي لا ندخل في جدلية إلغاء المؤسسات الثقافية القائمة وجدوى ذلك، واستبدالها بمراكز ثقافية كما كان يطرح سابقا. أعتقد أن إيجاد هذه الأماكن العامة التي تكون مفتوحة للمثقف والمبدع على مدار العام وبشكل يومي سيكون أكثر جدوى سواء من الجانب الإبداعي أو التكلفة المادية التي ما زالت الشكوى منها مستمرة.

فلو استحدثت وزارة الثقافة والإعلام في كل مدينة "ملتقى ثقافيا وإبداعيا" تحت أي اسم، وخصصت له ربع الميزانيات الحالية التي تدفع للأندية الأدبية وفروع الجمعيات، لرأينا إبداعات أدبية وفنية تنافس عالميا، ولرأينا الجميع يؤيد إغلاق الأندية الأدبية أو الجمعيات فورا.

المهم أعطوا الشباب، المكان والحرية "المنضبطة"، فبدونهما لن نحقق شيئا للحضارة الإنسانية.