رغم تزايد نبرة الاتهامات بين الولايات المتحدة وروسيا حول الأزمة السورية، إلا أن هذا الخلاف يبقى لفظيا، دون أن يتطور إلى صدام أو إلى تعاون، ما يشير إلى أن الخلاف الظاهري بينهما يحمل توافقا غير معلن، وهو ما يؤكد الرغبة في تقاسم القوى الكبرى للنفوذ في المنطقة دون اعتبار لمصالح دولها، وهو ما دفع وسائل إعلام أميركية إلى توجيه انتقادات للرئيس أوباما حيال هذا الملف.




ارتفعت وتيرة الاتهامات اللفظية، المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا، بشأن الأزمة في سورية إلى مستوى المسؤولين الرسميين، دون ترجمة عملية للتعاون أو الصدام على الأرض، ويبدو أن هذه المعركة الصوتية في الظاهر تخفي ترتيبات غير معلنة، في العمق.

وبتحليل ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المنتدى الاقتصادي في موسكو، أول من أمس، عن عدم تعاون الولايات المتحدة مع روسيا في الأزمة السورية، خاصة مكافحة الإرهاب واتهامها بالاضطراب العقلي. وما كتب على لسان مسؤولين سابقين وحاليين في الولايات المتحدة في الصحافة الأميركية طيلة الأيام السابقة، يتضح أن التفاهمات الروسية – الأميركية تتضمن أولا السيطرة على الحروب بالوكالة، وليس إنهاء الصراع في سورية، عن طريق إيجاد واقع جديد يمكن في النهاية من الحفاظ على تقاسم القوى الكبرى مصالحها الاستراتيجية، ولو على حساب الشعب السوري وتوازنات القوى الإقليمية في المنطقة.


مواجهة تحركات بوتين


في صحيفة "واشنطن بوست" كتب وزيرا الخارجية والدفاع السابقان كوندوليزا رايس، وروبرت جيتس، مقالا بعنوان "كيف يمكن لأميركا مواجهة تحركات بوتين في سوريا؟" جاء فيه أن موسكو تفهم أن الدبلوماسية تتبع الواقع على الأرض، أو بالأحرى الحقائق الجديدة على الأرض وليس العكس.

وأضافت الصحيفة "تسعى روسيا وإيران حاليا عن طريق العمليات العسكرية، إلى إيجاد واقع جديد وموائم، بعد إنجاز المهمة العسكرية، ويعرف الرئيس الروسي بوتين تماما ما يريد أن يفعله، كما يعلم علم اليقين أنه لا استقرار للوضع مستقبلا في سورية، وفقا للمفهوم المتعارف عليه دوليا للاستقرار، لذا علينا أن نتوقع، كما قال كاتبا المقال، اقتراحا روسيا لاتفاق سلام يعكس مصالحها بالأساس، عن طريق الحفاظ على بشار الأسد في السلطة، وفي مقدمة هذه المصالح "ضمان القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس".


عملية غير محددة


ما يؤكد كلام رايس وجيتس هو ما صرح به رئيس مجلس خبراء الأمن في البرلمان الروسي، بوريس أوسفياتسوف، الإثنين الماضي، أن السقف الزمني للعملية الجوية الصاروخية الروسية في الأراضي السورية غير محدد، ويعتمد على حجم ونوعية المكاسب العسكرية التي تتحقق على الأرض. مشيدا بقدرات العسكريين الروس المرابطين في اللاذقية وطرطوس.

توازن عسكري


الأمر الثاني الذي أشار إليه المقال هو أن موسكو تستخدم مفهوما خاصا جدا، لنجاح مهمتها العسكرية، وهو يختلف تماما عما يعتقده العالم الغربي، وأنها على استعداد لإنشاء العديد من الدول الفاشلة كما هو الحال في جورجيا ومولدوفيا وأوكرانيا، أي أنه نجاح خاص بمصالحها هي، وليس بمصالح وطموحات وأحوال شعوب هذه الدول والشيء نفسه بالنسبة للشعب السوري".

الكاتبان يؤكدان في النهاية أن الحل السياسي المقبول والمعقول بالنسبة للولايات المتحدة والحلفاء في المنطقة يتوقف على وجود توازن عسكري أفضل في السلطة.


تردد أوباما يعقد الموقف


في صحيفة وول ستريت جورنال كتب وليم جالستون، في السادس من أكتوبر الجاري مقالا بعنوان "التمني .. سياسة أوباما في سورية"، خلص فيه إلى أن سياسات أوباما المترددة والخاطئة منذ البداية في سورية، وضعت الجميع في موقف شديد التعقيد، لاسيما الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط، فلم يكن أوباما جادا حين أعلن أن الأسد لابد أن يرحل، لذا فإن تطور الأحداث على الأرض قاد ربما إلى أن تصبح سورية اتحادا كونفيدراليا، في أفضل الأحوال، يتشكل من مناطق للحكم الذاتي يتم تأمينه عبر قوة دولية لحفظ السلام، على غرار البوسنة والهرسك، أي أن نوجد "بوسنة جديدة" في قلب الشرق الأوسط، وهذا أفضل ما يمكن أن نأمله.



إطالة أمد الصراع بالمنطقة

قالت صحيفة نيويورك تايمز، في افتتاحيتها، إن التدخل العسكري الروسي يجعل الأمور أكثر تعقيدا على الأرض في سورية، ولو كانت روسيا تتطلع إلى السلام في سورية والمنطقة في أي وقت مضى، لاستطاعت أن تضغط على الأسد وحكومته قبل وأثناء الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين، فضلا عن الملايين الذين طردوا وهجروا من منازلهم ووطنهم، إضافة إلى تدمير مساحات شاسعة من البلاد.

هكذا يتم "تنفيس النقمة" عن الأهوال في سورية والمنطقة بين الولايات المتحدة وروسيا يمينا ويسارا، دون تقديم حلول عملية عاجلة وناجعة، أو الإعلان صراحة عن الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها من وراء إطالة أمد الصراع في المنطقة.